والشرائط وارتفعت عن وجوده الموانع كان هو الذي تتعلق بتحققه المشية الإلهية وإن كان الله سبحانه له فيه المشية مطلقا إن لم يشأه لم يكن وإن شاء كان، كذلك السنة في نظام التشريع والهداية هي سنة الأسباب فمن استرحم الله رحمه ومن أعرض عن رحمته حرمه، والهداية بمعنى إراءة الطريق تعم الجميع فمن تعرض لهذه النفحة الإلهية ولم يقطع طريق وصولها إليه بالفسق والكفر والعناد شملته وأحيته بأطيب الحياة، ومن اتبع هواه وعاند الحق واستعلى على الله وأخذ يمكر بالله، ويستهزئ بآياته حرمه الله السعادة وأنزل الله عليه الشقوة وأضله على علم وطبع عليه بالكفر فلا ينجو أبدا.
ولولا جريان المشية الإلهية على هذه السنة بطل نظام الأسباب وقانون العلية والمعلولية وحلت الإرادة الجزافية محله ولغت المصالح والحكم والغايات، وأدى فساد هذا النظام إلى فساد نظام التكوين لان التشريع ينتهى بالآخرة إلى التكوين بوجه ودبيب الفساد إليه يؤدى إلى فساد أصله.
وهذا كما أن الله سبحانه لو اضطر المشركين على الايمان وخرج بذلك النوع الانساني عن منشعب طريقي الايمان والكفر، وسقط الاختيار الموهوب له ولازم بحسب الخلقة الايمان، واستقر في أول وجوده على أريكة الكمال، وتساوى الجميع في القرب والكرامة كان لازم ذلك بطلان نظام الدعوة ولغو التربية والتكميل، وارتفع الاختلاف بين الدرجات، وأدى ذلك إلى بطلان اختلاف الاستعدادات والأعمال والأحوال والملكات وانقلب بذلك النظام الانساني وما يحيط به ويعمل فيه من نظام الوجود إلى نظام آخر لا خبر فيه عن إنسان أو ما يشعر به فافهم ذلك.
ومن هنا يظهر أن لا حاجة إلى حمل قوله: (ولو شاء الله ما أشركوا) على الايمان الاضطراري، وأن المراد أن لو شاء الله أن يتركوا الشرك قهرا وإجبارا لاضطرهم إلى ذلك وذلك أن الذي تقدم من أن المراد تعلق المشية الإلهية على تركهم الشرك اختيارا كما تعلقت بذلك في المؤمنين سواء هو الأوفق بكمال القدرة، والأنسب بتسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطييب قلبه.
فالمعنى: أعرض عنهم ولا يأخذك من جهة شركهم وجد ولا حزن فإن الله قادر أن يشاء منهم الايمان فيؤمنوا كما شاء ذلك من المؤمنين فآمنوا. على أنك لست بمسؤول