وكما أن للمسكن عاما وخاصا دخلا تاما في كينونة الساكن كالانسان مثلا يسكن أرضا فيطوف بها في طلب الرزق، ويرتزق مما يخرج منها من حب وفاكهة وما يتربى فيها من حيوان، ويشرب من مائها، ويستنشق من هوائها، ويفعل وينفعل من كيفيات منطقتها، وينمو جميع أجزاء جسمه على حسب تقديرها كذلك الليل والنهار لهما الدخل التام في تكون عامة ما يتكون فيهما.
والانسان من الأشياء الساكنة في الليل والنهار تكون بمشية الله من إئتلاف أجزاء بسيطة ومركبة على صورة خاصة يمتاز وجوده حدوثا وبقاءا بحياة تقوم على شعور فكرى وإرادة يتهيئان له من قوى له باطنية عاطفية تأمره بجذب المنافع ودفع المضار، وتدعوه إلى إيجاد مجتمع متشكل فيه ما نراه من تفاصيل التفاهم باللغات والتباني على اتباع السنن والقوانين والعادات في المعاشرات والمعاملات، واحترام الآراء والعقائد العامة في الحسن والقبح والعدل والظلم والطاعة والمعصية والثواب والعقاب والجزاء والعفو.
وإذا كان الله سبحانه هو الخالق لليل والنهار وما سكن فيهما المتفرد بايجادها فله ما سكن في الليل والنهار، وهو ا لمالك الحق لجميع الليل والنهار وسكانهما وما يستعقب وجودها من الحوادث والافعال والأقوال، وله النظام الجاري فيها على عجيب سعته فهو السميع لأقوالنا من أصوات وإشارات، والعليم بأعمالنا وأفعالنا بما لها من صفتي الحسن والقبح، والعدل والظلم والاحسان والإساءة وما تكتسبه النفوس من سعادة وشقاء.
وكيف يمكنه الجهل بذلك وقد نشأ الجميع في ملكه وبإذنه؟ ونحو وجود هذا النوع من الأمور أعني الحسن والقبح والعدل والظلم والطاعة والمعصية، وكذا اللغات الدالة على المعاني الذهنية كل ذلك أمور علمية لا تحقق لها في غير ظرف العلم، ولذلك نرى أن الفعل لا يقع منا حسنا ولا قبيحا ولا طاعة ولا معصية، والصوت المؤلف لا يسمى كلاما إلا إذا علمنا به وقصدنا وجهه.
وكيف يمكن أن يملك شئ علمي في نفسه من حيث كونه كذلك ثم يجهله مالكه، ولا يعلم به؟ (أجد التأمل فيه).
والله سبحانه هو الذي أوجد هذا العالم على عجيب سعته في أجزائه البسيطة