(الأنفال: 33).
فالمتحصل من الآية أنهم يسألون نزول الملك، ولا نجيبهم إلى ما سألوه لأنه لو نزل الملك لقضى بينهم ولم ينظروا وقد شاء الله أن ينظرهم إلى حين فليخوضوا فيما يخوضون حتى يلاقوا يومهم، وسيوافيهم ما سألوه فيقضى الله بينهم.
ويمكن أن يقرر معنى الآية على نحو آخر وهو أن يكون مرادهم أن ينزل الملك ليكون آية لا ليأتيهم بالعذاب، ويكون المراد من الجواب أنه لو نزل عليهم لم يؤمنوا به لما تمكن فيهم من رذيلة العناد والاستكبار وحينئذ قضى بينهم وهم لا ينظرون، وهم لا يريدون ذلك.
وثانيهما: أن ينزل عليهم الملك ليكون حاملا لأعباء الرسالة داعيا إلى الله مكان النبي صلى الله عليه وآله أو يكون معه رسولا مثله مصدقا لدعوته شاهدا على صدقه كما في قولهم فيما حكى الله: (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) ال (فرقان: 7). فإنهم يريدون أن الذي هو رسول من جانب الله لا يناسب شأنه أن يشارك الناس في عادياتهم من أكل الطعام واكتساب الرزق بالمشي في الأسواق بل يجب أن يختص بحياة سماوية وعيشة ملكوتية لا يخالطه تعب السعي وشقاء الحياة المادية فيكون على أمر بارز من الدعوة أو ينزل معه ملك سماوي فيكون معه نذيرا فلا يك في حقية دعوته وواقعية رسالته.
وهذا هو الذي تجيب عنه الآية التالية: (ولو جعلناه ملكا) الخ.
قوله تعالى: (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون) اللبس بالفتح الستر بساتر لما يجب ستره لقبحه أو لحاجته إلى ذلك، واللبس بالضم التغطية على الحق، وكان المعنى استعاري والأصل واحد.
قال الراغب في المفردات: لبس الثواب استتر به وألبسه غيره - إلى أن قال - وأصل اللبس (بضم اللام) ستر الشئ ويقال ذلك في المعاني يقال: لبست عليه أمره قال: وللبسنا عليهم ما يلبسون وقال: ولا تلبسوا الحق بالباطل، لم تلبسون الحق بالباطل، الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، ويقال: في الامر لبسه أي التباس، انتهى.