الايمان الذي شأنه التقريب من السعادة والفلاح الحقيقي والفوز برضى الرب سبحانه وهو ظاهر فتأثير الايمان أثره لا يشترط بعدم شئ من ذلك.
فقوله: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن) معناه اشتراط الايمان في إعطائه الامن من كل ذنب ومعصية يفسد أثره بعدم الظلم غير أن هيهنا دقيقة وهى ان الذنب الاختياري - كما استوفينا البحث عنه في آخر الجزء السادس من الكتاب - أمر ذو مراتب مختلفة باختلاف الافهام فمن الظلم ما هو معصية اختيارية بالنسبة إلى قوم وليس بها عند آخرين. فالواقف في منشعب طريقي الشرك والتوحيد مثلا وهو الذي يرى أن للعالم صانعا هو الذي فطر أجزائها وشق أرجائها وأمسك أرضها وسمائها، ويرى أنه نفسه وغيره مخلوقون مربوبون، مدبرون وان الحياة الانسانية الحقيقية إنما تسعد بالايمان به والخضوع له فالظلم اللائح لهذا الانسان هو الشرك بالله والايمان بغيره بالربوبية كالأصنام والكواكب وغيرها على ما يثبته إبراهيم عليه السلام بقوله: (وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا) فالايمان الذي يؤثر أثره بالنسبة إلى هذا الانسان انما يشترط في إعطاءه الامن من الشقاء بأن لا يلبسه ظلم الشرك ومعصيته.
ومن طوى هذه المرحلة فآمن بالله وحده فإنه يواجه من الظلم الكبائر من المعاصي كعقوق الوالدين وأكل مال اليتيم وقتل النفس المحترمة والزنا وشرب الخمر فإيمانه في تأثيره آثاره الحسنة يشترط باجتناب هذا النوع من الظلم، وقد وعده الله ان يكفر عنه السيئات والمعاصي الصغيرة إن اجتنب كبائر ما ينهى عنه، قال تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) (النساء: 31) وفساد أثر هذا الايمان هو الشقاء بعذاب هذه المعاصي وإن لم يكن عذابا خالدا غير منقطع الاخر كعذاب الشرك بل منقطعا إما بحلول أجله وإما بشفاعة ونحوها. ومن تزود هذا الزاد من التقوى وحصل شيئا من المعرفة بمقام ربه كان مسؤولا باصناف من الظلم تبدو له بحسب درجة معرفته بربه كإتيان المكروهات وترك المستحبات والتوغل في المباحات، وفوق ذلك المعاصي في مستوى الأخلاق الكريمة والملكات الربانية ووراء ذلك الذنوب التي تعترض سبيل الحب، وتحف بساط القرب، فالايمان في كل من هذه المراتب إنما يؤمن المتلبس به ويدفع عنه الشقاء إذا عرى عن ملابسة الظلم المناسب لتلك المرتبة.