والآية - كما ترى - تحاذى أول سورة الملك المنقول آنفا.
فقد بان أن المراد بإراءة إبراهيم ملكوت السماوات والأرض على ما يعطيه التدبر في سائر الآيات المربوطة بها هو توجيهه تعالى نفسه الشريفة إلى مشاهدة الأشياء من جهة استناد وجودها إليه، وإذ كان استنادا لا يقبل الشركة لم يلبث دون أن حكم عليها أن ليس لشئ منها أن يرب غيره ويتولى تدبير النظام وأداء الأمور فالأصنام تماثيل عملها الانسان وسماها أسماء لم ينزل الله عليها من سلطان، وما هذا شأنه لا يرب الانسان ولا يملكه وقد عملته يد الانسان، والاجرام العلوية كالكوكب والقمر والشمس تتحول عليها الحال فتغيب عن الانسان بعد حضورها، وما هذا شأنه لا يكون له الملك وتولى التدبير تكوينا كما سيجئ بيانه.
قوله تعالى: (وليكون من الموقنين) اللام للتعليل، والجملة معطوفة على أخرى محذوفة والتقدير: ليكون كذا وكذا وليكون من الموقنين.
واليقين هو العلم الذي لا يشوبه شك بوجه من الوجوه، ولعل المراد به ان يكون على يقين بآيات الله على حد ما في قوله: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) (السجدة: 24) وينتج ذلك اليقين بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا.
وفي معنى ذلك ما أنزله في خصوص النبي صلى الله عليه وآله قال: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا) (الاسراء:
1) وقال: (ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى) (النجم: 18) وأما اليقين بذاته المتعالية فالقرآن يجله تعالى ان يتعلق به شك أو يحيط به علم وإنما يسلمه تسليما.
وقد ذكر في كلامه تعالى من خواص العلم اليقيني بآياته تعالى إنكشاف ما وراء ستر الحس من حقائق الكون على ما يشاء الله تعالى كما في قوله: (كلا لو تعلمون علم اليقين، لترون الجحيم) (التكاثر: 6) وقوله: (كلا إن كتاب الأبرار لفى عليين، وما أدراك ما عليون، كتاب مرقوم، يشهده المقربون) (المطففين: 21).
قوله تعالى: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى) إلى آخر الآية قال الراغب في المفردات: أصل الجن (بفتح الجيم) ستر الشئ عن الحاسة يقال: جنه الليل