فترانا نعتقد أن العدل حسن كما أن الورد حسن جميل، والظلم قبيح شأنه كما أن الميتة المنتنة كذلك، وان المال لنا كما أن أعضاءنا لنا، والعمل الكذائي واجب كما أن الآثار واجبة لعللها التامة، وعلى هذا القياس، ولذلك ترى أن هذه الآراء تختلف بين الأقوام إذا اختلفت مقاصد مجتمعاتهم فترى هؤلاء يحسنون ما يقبحه آخرون وتجد طائفة تلغى من الاحكام ما تعتبره أخرى، وتلفى أمة تنكر ما تعرفه أمة أو تعجبها ما يستشنعه غيرها، وربما تترك سنة مأخوذة ثم تؤخذ ثم تترك في أمه واحدة على نسق الدوران بحسب مراحل السير الاجتماعي ومساسه بلوازم الحياة، هذا في المقاصد التي تختلف في المجتمعات، وأما المقاصد العامة التي لا يختلف فيه اثنان كاصل الاجتماع والعدل والظلم ونحو ذلك فما لها من وصف الحسن والقبح والوجوب والحرمة وغيرها لا تختلف البتة ولا يختلف فيه، هذا فيما يرجع إلينا.
والله سبحانه لما قلب دينه في قالب السنن العامة الاجتماعية اعتبر في بيانه المعارف الحقيقية المسبوكة في قالب السنن الاجتماعية ما نعتبره نحن في مسير حياتنا فأراد منا أن نفكر فيما يرجع إلى معارفه، ونتلقى ما يلقيه إلينا من الحقائق كما نفكر ونتلقى ما عندنا من سنن الحياة فعد نفسه ربا معبودا، وعدنا عبادا مربوبين، وذكرنا أن له دينا مؤلفا من عقائد أصلية وقوانين عملية تستعقب ثوابا وعقابا وأن في اتباعه صلاح حالنا، وحسن عاقبتنا، وسعادة جدنا على نحو المسلك الذي نسلكه في آرائنا الاجتماعية.
فهناك عقائد أصليه يجب علينا أن نعتقد بها ونلزمها، وهناك وظائف عملية وقوانين إلهية في العبادات والمعاملات والسياسات يجب علينا أن نعمل بها ونراعيها كما أن الامر في جميع المجتمعات الانسانية على ذلك.
وهذا هو الذي يسوغ لنا أن نبحث عن المعارف الدينية اعتقادية أو عملية كما نبحث عن المعارف الاجتماعية اعتقادية أو عملية، وأن نستند في المعارف الدينية من الآراء العقلية، والقضايا العملية بعين ما نستند إليه في المعارف الاجتماعية فالله سبحانه لا يختار لعباده من الوظائف والتكاليف إلا ما فيه المصلحة التي تصلح شأنهم في دنياهم وآخرتهم، ولا يأمر إلا بالحسن الجميل، ولا ينهى إلا عن القبيح الشائه الذي فيه فساد دين أو دنيا، ولا يفعل إلا ما يؤثره العقل، ولا يترك إلا ما ينبغي أن يترك.
إلا أنه تعالى ذكرنا مع ذلك بأمرين: