لأنكم ظالمون والعذاب الإلهي لا يعدو الظالمين إلى غيرهم وفي الجملة إشارة إلى ما تقدم من قوله تعالى: (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون) (آية: 47).
قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) إلى آخر الآية. ذكروا في وجه اتصال الآية بما قبلها أن الآية السابقة لما ختمت بقوله: (والله أعلم بالظالمين) زاد الله سبحانه في بيانه فذكر أن خزائن الغيب أو مفاتيح تلك الخزائن عنده سبحانه لا يعلمها إلا هو، ويعلم كل دقيق وجليل.
وهذا الوجه لا يتضح به معنى الحصر الذي يدل عليه قوله: (لا يعلمها إلا هو) فالأولى أن يوجه الاتصال بما يشتمل عليه مجموع الآيتين السابقتين أعني قوله: (قل إني على بينة من ربى - إلى قوله - والله أعلم بالظالمين) حيث يدل المجموع على أن ما كانوا يقترحونه من الآية وما يستتبعه من الحكم الفصل والقضاء بينه وبينهم إنما هو عند الله لا سبيل إليه لغيره فهو العالم بذلك الحاكم به، ولا يغلط في حكمه الفصل وتعذيب الظالمين لأنه أعلم بهم فهو عالم بالغيب لا يشاركه فيه غيره، وعالم بكل ما جل ودق لا يضل ولا ينسى، ثم زاد ذلك بيانا بقوله: (وعنده مفاتح الغيب) الآية فبين به اختصاصه تعالى بعلم الغيب وشمول علمه كل شئ، ثم تمم البيان بالآيات الثلاث التي تتلوها.
وبذلك تصير الآيات جارية مجرى ما سيقت إليه نظائرها في مثل المورد كقوله تعالى في قصه هود وقومه: (قالوا أ جئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين. قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به) (الأحقاف: 23).
ثم نقول: المفاتح جمع مفتح بفتح الميم وهو الخزينة، وربما احتمل أن يكون جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح، ويؤيده ما قرئ شاذا: (وعنده مفاتيح الغيب) ومآل المعنيين واحد فإن من عنده مفاتيح الخزائن هو عالم بما فيها قادر على التصرف فيها كيف شاء عادة كمن عنده نفس الخزائن إلا أن سائر كلامه تعالى فيما يشابه هذا المورد يؤيد المعنى الأول فإنه تعالى كرر في كلامه ذكر خزائنه وخزائن رحمته - وذلك في سبعة مواضع - ولم يذكر لها مفاتيح في شئ من كلامه قال تعالى: (أم عندهم خزائن ربك) (الطور:
37) وقال: (لا أقول لكم عندي خزائن الله) (الانعام: 50) وقال: (وإن من شئ إلا عندنا خزائنه) (الحجر: 21) وقال: (ولله خزائن السماوات والأرض)