ولعل ذلك مراعاة لحرمة جانبه تعالى لاشعار الصفة بنوع من الاستقلال الذي لا مسوغ لنسبته إلى هذه الأسباب المتوسطه كما أن القضاء والامر التكوينيين كذلك، ونظيرتها في ذلك ألفاظ البديع والبارئ والفاطر وألفاظ أخر يجرى مجراها في الاشعار بمعاني تنبئ عن نوع من الاختصاص، وإنما كف عن استعمالها في غير مورده تعالى رعاية لحرمة ساحة الربوبية.
* * * ولنرجع إلى ما كنا فيه من تفسير الآية فقوله تعالى: (إن الحكم إلا لله) أريد بالحكم فيه القضاء التكويني، والجملة تعليل للنفي في قوله: (ما عندي ما تستعجلون به) والمعنى - على ما يعطيه السياق - أن الحكم لله وحده وليس إلى أن اقضي بيني وبينكم، وهو الذي تستعجلون به باستعجالكم بما تقترحون على من الآية.
وعلى هذا فقوله: (ما عندي ما تستعجلون به) مستعمل استعمال الكناية كأنهم باقتراحهم إتيان آية أخرى غير القرآن كانوا يقترحون عليه صلى الله عليه وآله أن يقضى بينه وبينهم ولعل هذا هو السر في تكرار لفظ الموصول والصلة في الآية التالية حيث يقول تعالى: (قل لو أن عندي ما تستعجلون به) وكان مقتضى ظاهر السياق أن يقال: لو أن عندي ذلك، وذلك أنه أريد بقوله: (ما تستعجلون به) في الآية الأولى لازم الآية وهو القضاء بينه وبينهم على ما جرت به السنة الإلهية، وفي الآية الثانية نفس الآية، ومن المحتمل أيضا أن يكون أمر الكناية بالعكس من ذلك فيكون المراد بما تستعجلون به هو القضاء بالصراحة في الآية الأولى، والآية بالتكنية في الآية الثانية.
وقوله: (يقص الحق وهو خير الفاصلين) قرأ عاصم ونافع وابن كثير من السبعة بالقاف والصاد المهملة من القص وهو قطع شئ وفصله من شئ ومنه قوله تعالى: (وقالت لأخته قصيه) (القصص: 11)، وقرأ الباقون بالقاف والضاد المعجمة من القضاء، وقد حذف الياء من الرسم على حد قوله تعالى: (فما تغن النذر) (القمر: 5) ولكن من القراءتين وجه، ومآلهما من حيث المعنى واحد فإن قص الحق وفصله من الباطل لازم القضاء والحكم بالحق وإن كان قوله: (وهو خير الفاصلين) أنسب مع القص بمعنى الفصل.
وأما أخذ قوله (يقص الحق) من القص بمعنى الاخبار عن الشئ أو بمعنى تتبع الأثر على ما احتمله بعض المفسرين فيما لا يلائم المورد: