التأثير في الوجود لله سبحانه وحده لا شريك له، وإن كان الانتساب مختلفا باختلاف الأشياء غير جار على وتيرة واحدة كما ترى أنه تعالى ينسب الخلق إلى نفسه ثم ينسبه في موارد مختلفة إلى أشياء مختلفة، بنسب مختلفه، وكذلك العلم والقدرة والحياة والمشية والرزق والحسن إلى غير ذلك، وبالجملة لما كان التأثير له تعالى كان الحكم الذي هو نوع من التأثير و الجعل له تعالى سواء في ذلك الحكم في الحقائق التكوينية أو في الشرائع الوضعية الاعتبارية، وقد أيد كلامه تعالى هذا المعنى كقوله: (إن الحكم إلا لله) (الانعام: 57 يوسف: 67) وقوله تعالى:
(ألا له الحكم) (الانعام: 62) وقوله: (له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم) (القصص : 70) وقوله تعالى: (والله يحكم لا معقب لحكمه) (الرعد: 41) ولو كان لغيره تعالى حكم لكان له أن يعقب حكمه ويعارض مشيته، وقوله: (فالحكم لله العلى الكبير) (المؤمن:
12) إلى غير ذلك، فهذه آيات خاصة أو عامة تدل على اختصاص الحكم التكويني به تعالى.
ويدل على اختصاص خصوص الحكم التشريعي به تعالى قوله: (إن الحكم إلا لله أمر الا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم) (يوسف: 40) فالحكم لله سبحانه لا يشاركه فيه غيره على ظاهر ما يدل عليه ما مر من الآيات غير أنه تعالى ربما ينسب الحكم وخاصة التشريعي منه في كلامه إلى غيره كقوله تعالى: (يحكم به ذوا عدل منكم) (المائدة: 95) وقوله لداود عليه السلام: (إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) (ص: 26) وقوله للنبي صلى الله عليه وآله: (إن احكم بينهم بما أنزل الله) (المائدة: 49) وقوله: (فاحكم بينهم بما أنزل الله) (المائدة: 48) وقوله: (يحكم بها النبيون) (المائدة: 44) إلى غير ذلك من الآيات وضمها إلى القبيل الأول يفيد أن الحكم الحق لله سبحانه بالأصالة واولا لا يستقل به أحد غيره، ويوجد لغيره بإذنه وثانيا، ولذلك عد تعالى نفسه احكم الحاكمين وخيرهم لما انه لازم الأصالة والاستقلال والأولية فقال: (ا ليس الله بأحكم الحاكمين) (التين: 8) وقال (وهو خير الحاكمين) (الأعراف: 87).
والآيات المشتملة على نسبة الحكم إلى غيره تعالى بإذن ونحوه - كما ترى - تختص بالحكم الوضعي الاعتباري، وأما الحكم التكويني فلا يوجد فيها - على ما أذكر - ما يدل على نسبته إلى غيره وإن كانت معاني عامة الصفات والافعال المنسوبة إليه تعالى لا تأبى عن الانتساب إلى غيره نوعا من الانتساب بإذنه ونحوه كالعلم والقدرة والحياة والخلق والرزق والاحياء والمشية وغير ذلك في آيات كثيرة لا حاجة إلى إيرادها.