(المنافقون: 7) وقال: (أم عندهم خزائن رحمة ربك) (ص: 9) فالأقرب أن يكون المراد بمفاتح الغيب خزائنه.
وكيف كان فقوله: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) مسوق لبيان انحصار العلم بالغيب فيه تعالى إما لان خزائن الغيب لا يعلمها إلا الله، وإما لان مفاتيح الغيب لا يعلمها غيره تعالى فلا سبيل لغيره إلى تلك الخزائن إذ لا علم له بمفاتيحها التي يتوصل بها إلى فتحها والتصرف فيها.
وصدر الآية وإن أنبأ عن انحصار علم الغيب فيه تعالى لكن ذيلها لا يختص بعلم الغيب بل ينبئ عن شمول علمه تعالى بكل شئ أعم من أن يكون غيبا أو شهادة فإن كل رطب ويابس لا يختص بما يكون غيبا وهو ظاهر فالآية بمجموعها يبين شمول علمه تعالى لكل غيب وشهادة، غير أن صدرها يختص ببيان علمه بالغيوب، وذيلها ينبئ عن علمه بكل شئ أعم من الغيب والشهادة.
ومن جهة أخرى صدر الآية يتعرض للغيوب التي هي واقعة في خزائن الغيب تحت أستار الخفاء وأقفال الابهام، وقد ذكر الله سبحانه في قوله: وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) (الحجر: 21) أن التي في خزائن الغيب عنده من الأشياء أمور لا يحيط بها الحدود المشهودة في الأشياء، ولا يحصرها الاقدار المعهودة، ولا شك انها انما صارت غيوبا مخزونة لما فيها من صفة الخروج عن حكم الحد والقدر فإنا لا نحيط علما إلا بما هو محدود ومقدر، وأما التي في خزائن الغيب من الأشياء فهى قبل النزول في منزل الشهود والهبوط إلى مهبط الحد والقدر، وبالجملة قبل أن يوجد بوجوده المقدر له غير محدودة مقدرة مع كونها ثابتة نوعا من الثبوت عنده تعالى على ما تنطق به الآية.
فالأمور الواقعة في هذا الكون المشهود المسجونة في سجن الزمان هي قبل وقوعها وحدوثها موجودة عند الله ثابته في خزائنه نوعا من الثبوت مبهما غير مقدر وإن لم نستطع أن نحيط بكيفية ثبوتها فمن الواقع في مفاتح الغيب وخزائنه الأشياء قبل حدوثها واستقرارها في منزلها المقدر لها من منازل الزمان، ولعل هناك أشياء أخر مذخورة مخزونة لا تسانخ ما عندنا من الأمور الزمانية المشهودة المعهودة، ولنسم هذا النوع من الغيب غير الخارج إلى عرصة الشهود بالغيب المطلق.
وأما الأشياء بعد تلبسها بلباس التحقق والوجود ونزولها في منزلها بالحد والقدر