على المصالح الواقعية والاتصاف بصفة الحسن، فالمصالح الواقعية تأثير في أفعاله تعالى وحكومة على احكامه وخاصة من حيث إنه تعالى عالم بحقائق الأمور بصير بمصالح عباده.
وهذا كله من إفراط الرأي، وقد عرفت مما تقدم ان هذه احكام وعلوم اعتبارية غير حقيقية اضطرنا إلى اعتبارها وجعلها الحوائج الطبيعية وضرورة الحياة الاجتماعية لا خبر عنها في الخارج عن ظرف الاجتماع، ولا قيمة لها إلا أنها أمور متقررة في ظرف الوضع والاعتبار يميز بها الانسان ما ينفعه من الأعمال مما يضره، وما يصلح شأنه مما يفسده، وما يسعده مما يشقيه.
وقد ساقت العصبية المذهبية الطائفتين الباحثتين عن المعارف الدينية في صدر الاسلام إلى تقابل عجيب بالافراط والتفريط في هذا المقام فطائفة - وهم المفوضة - أثبتوا مصالح ومفاسد نفس أمرية وحسنا وقبحا واقعيين هي ثابتة ثبوتا أزليا أبديا غير متغير ولا متبدل وهى حاكمة على الله سبحانه بالايجاب والتحريم، مؤثرة في أفعاله تكوينا وتشريعا بالحظر والترخيص فأخرجوه تعالى عن سلطانه، وأبطلوا اطلاق ملكه.
وطائفة - وهم المجبرة - نفت ذلك كله، وأصرت على أن الحسن في الشئ إنما هو تعلق الامر به، والقبح تعلق النهى به، ولا غرض ولا غاية في تكوين ولا تشريع، وأن الانسان لا يملك من فعله شيئا ولا قدرة قبل الفعل عليه كما أن الطائفة الأولى ذهبت إلى أن الفعل مخلوق للانسان وأن الله سبحانه لا يملك من فعل الانسان شيئا ولا تتعلق به قدرته.
والقولان - كما ترى - إفراط وتفريط فلا هذا ولا ذاك بل حقيقة الامر أن هذه ونظائرها أمور اعتبارية وضعية لها أصل حقيقي وهوان الانسان - ونظيره سائر الحيوانات الاجتماعية كل على قدره في مسيره الحيوي الذي لا يريد به إلا ابقاء الحياة ونيل السعادة ناقص محتاج يرفع جهات نقصه وحاجته بأعماله الاجتماعية الصادرة عن الشعور والإرادة فاضطره ذلك إلى أن يصف أعماله والأمور التي تتعلق بها أعماله في طريق الوصول إلى غاية سعادته والتجنب عن شقائه بأوصاف الأمور الخارجية من حسن وقبح ووجوب وحرمة وجواز وملك وحق وغير ذلك، ويجرى فيها نواميس الأسباب والمسببات فيضع في إثر ذلك قوانين عامة وخاصة، ويعتقد لذلك نوعا من الثبوت الذي يعتقده للأمور الحقيقية حتى يتم له بذلك أمر حياته الاجتماعية.