عن وزنه الاجتماعي ويسلب عنه الاعتماد والثقة العامة.
وعلى هذا فاجتماع الخطيئة والاثم على نحو الترديد ونسبتهما جميعا إلى الكسب في قوله (ومن يكسب خطيئة أو إثما) (الآية) يوجب اختصاص كل منهما بما يختص به من المعنى والمعنى، - والله أعلم -: أن من يكسب معصية لا تتجاوز موردها وبالا كترك بعض الواجبات كالصوم أو فعل بعض المحرمات كأكل الدم أو يكسب معصية يستمر وبالها كقتل النفس من غير حق والسرقة ثم يرم بها بريئا بنسبتها إليه فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا.
وفي تسمية نسبة العمل السئ إلى الغير رميا - والرمي يستعمل في مورد السهم - وكذا في إطلاق الاحتمال على قبول وزر البهتان استعارة لطيفة كان المفترى يفتك بالمتهم البرئ برميه بالسهم فيوجب له فتكه أن يتحمل حملا يشغله عن كل خير مدى حياته من غير أن يفارقه.
ومما تقدم يظهر وجه اختلاف التعبير عن المعصية في الآيات الكريمة تارة بالاثم واخرى بالخطيئة والسوء والظلم والخيانة والضلال، فكل واحد من هذه الألفاظ هو المناسب بمعناه لمحله الذي حل فيه.
قوله تعالى: (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت) (إلى آخر الآية) السياق يدل على أن المراد بهمهم بإضلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو همهم أن يرضوه بالدفاع عن الذين سماهم الله تعالى في صدر الآيات بالخائنين والجدال عنهم وعلى هذا فالمراد بهذه الطائفة أيضا هم الذين عدل الله سبحانه إلى خطابهم بقوله (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا) (الآية) وينطبق على قوم أبى طعمة على ما سيجئ.
وأما قوله وما يضلون إلا أنفسهم فالمراد به بقرينة قوله بعده (وما يضرونك من شئ) أن إضلال هؤلاء لا يتعدى أنفسهم ولا يتجاوزهم إليك، فهم الضالون بما هموا به لأنه معصية وكل معصية ضلال.
ولهذا الكلام معنى آخر تقدمت الإشارة إليه في الكلام على قوله (وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون) (آل عمران: 69) في الجزء الثالث من هذا الكتاب، لكنه لا يناسب هذا المقام.