والتدرج من السوء إلى الظلم لكون المراد بالسوء التعدي على الغير، وبالظلم التعدي على النفس، أو أن السوء أهون من الظلم كالمعصية الصغيرة بالنسبة إلى الكبيرة، والله أعلم.
وهذه الآية والآيتان بعدها جميعا كلام مسوق لغرض واحد، وهو بيان أمر الاثم الذي يكسبه الانسان بعمله، يتكفل كل واحدة من الآيات الثلاث بيان جهة من جهاته، فالآية الأولى تبين أن المعصية التي يقترفها الانسان فيتأثر بتبعتها نفسه، وتكتب في كتاب أعماله، للعبد أن يتوب إلى الله منها ويستغفره فلو فعل ذلك وجد الله غفورا رحيما.
والآية الثانية تذكر الانسان أن الاثم الذي يكسبه إنما يكسبه على نفسه وليس بالذي يمكن أن يتخطاه ويلحق غيره برمى أو افتراء ونحو ذلك.
والآية الثالثة توضح أن الخطيئة أو الاثم الذي يكسبه الانسان لو رمى به بريئا غيره كان الرمي به إثما آخر وراء أصل الخطيئة أو الاثم.
قوله تعالى: (ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما) قد تقدم أن الآية مرتبطة مضمونا بالآية التالية المتعرضة للرمي بالخطيئة والاثم فهذه كالمقدمة لتلك، وعلى هذا فقوله (فإنما يكسبه على نفسه) مسوق لقصر التعيين، وفي الآية عظة لمن يكسب الاثم ثم يرمى به بريئا غيره. والمعنى - والله أعلم -: أنه يجب على من يكسب إثما أن يتذكر أن ما يكسبه من الاثم فإنما يكسبه على نفسه لا على غيره، وأنه هو الذي فعله لا غيره وإن رماه به أو تعهد له هو أن يحمل إثمه وكان الله عليما يعلم أنه فعل هذا الكاسب، وأنه الذي فعله لا غيره المرمى به، حكيما لا يؤاخذ بالاثم إلا آثمة وبالوزر غير وازرتها كما قال تعالى: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) (البقرة - 286)، وقال ولا تزر وازرة وزر أخرى) (الانعام - 164)، وقال:
(وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ إنهم لكاذبون) (العنكبوت. 12).
قوله تعالى: (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا) قال الراغب في المفردات: إن من أراد شيئا فاتفق منه غيره يقال: أخطأ