في الجزء الرابع، وفي الشفاعة في قوله تعالى (واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا) (البقرة - 48) في الجزء الأول من هذا الكتاب.
وقال تعالى: (من ذكر أو أنثى فعمم الحكم للذكر والأنثى من غير فرق أصلا خلافا لما كانت تزعمه القدماء من أهل الملل والنحل كالهند ومصر وسائر الوثنيين أن النساء لا عمل لهن ولا ثواب لحسناتهن، وما كان يظهر من اليهودية والنصرانية أن الكرامة والعزة للرجال، وأن النساء أذلاء عند الله نواقص في الخلقة خاسرات في الاجر والمثوبة والعرب لا تعدو فيهن هذه العقائد فسوى الله تعالى بين القبيلين بقوله (من ذكر أو أنثى).
ولعل هذا هو السر في تعقيب قوله (فأولئك يدخلون الجنة) بقوله (ولا يظلمون نقيرا) لتدل الجملة الأولى على أن النساء ذوات نصيب في المثوبة كالرجال، والجملة الثانية على أن لا فرق بينهما فيها من حيث الزيادة والنقيصة كما قال تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) (آل عمران - 195).
قوله تعالى: (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن) إلى آخر الآية) كأنه دفع لدخل مقدر، تقديره: أنه إذا لم يكن لاسلام المسلم أو لايمان أهل الكتاب تأثير في جلب الخير إليه وحفظ منافعه وبالجملة إذا كان الايمان بالله وآياته لا يعدل شيئا ويستوى وجوده وعدمه فما هو كرامة الاسلام؟ وما هي مزية الايمان؟.
فأجيب بأن كرامة الدين أمر لا يشوبه ريب، ولا يداخله شك ولا يخفى حسنه على ذي لب وهو قوله (ومن أحسن دينا)، حيث قرر بالاستفهام على طريق إرسال المسلم فإن الانسان لا مناص له عن الدين، وأحسن الدين إسلام الوجه لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، والخضوع له خضوع العبودية، والعمل بما يقتضيه ملة إبراهيم حنيفا وهو الملة الفطرية، وقد اتخذ الله سبحانه إبراهيم الذي هو أول من أسلم وجهه لله محسنا، واتبع الملة الحنيفية خليلا.
لكن لا ينبغي أن يتوهم أن الخلة الإلهية كالخلة الدائرة بين الناس الحاكمة بينهم على كل حق وباطل التي يفتح لهم باب المجازفة والتحكم فالله سبحانه مالك غير مملوك ومحيط غير محاط بخلاف الموالى والرؤساء والملوك من الناس فإنهم لا يملكون من عبيدهم ورعاياهم شيئا إلا ويملكونهم من أنفسهم شيئا بإزائه، ويقهرون البعض بالبعض،