ويختار سفساف الشره، وعلى هذا السبيل سائر الأسباب الشعورية في الانسان وإلا فالانسان لا يحيد عن حكم سبب من هذه الأسباب ما دام السبب قائما على ساق، ولا مانع يمنع من تأثيره، فجميع هذه التخلفات تستند إلى مغالبة التقوى والأسباب، وتغلب بعضها على بعض.
ومن هنا يظهر أن هذه القوة المسماة بقوة العصمة سبب شعوري علمي غير مغلوب البتة، ولو كانت من قبيل ما نتعارفه من أقسام الشعور والادراك لتسرب إليها التخلف، وخبطت في أثرها أحيانا، فهذا العلم من غير سنخ سائر العلوم والادراكات المتعارفة التي تقبل الاكتساب والتعلم.
وقد أشار الله تعالى إليه في خطابه الذي خص به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم) وهو خطاب خاص لا نفقهه حقيقة الفقه إذ لا ذوق لنا في هذا النحو من العلم والشعور غير أن الذي يظهر لنا من سائر كلامه تعالى بعض الظهور كقوله (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك) (البقرة - 97) وقوله (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) (الشعراء - 195) أن الانزال المذكور من سنخ العلم، ويظهر من جهة أخرى أن ذلك من قبيل الوحي والتكليم كما يظهر من قوله (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى) (الآية) (الشورى - 13) وقوله (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) (النساء - 163) وقوله (إن أتبع إلا ما يوحى إلى) (الانعام - 50)، وقوله (إنما أتبع ما يوحى إلى) (الأعراف - 203).
ويستفاد من الآيات على اختلافها أن المراد بالانزال هو الوحي وحى الكتاب والحكمة وهو نوع تعليم إلهي لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم غير أن الذي يشير إليه بقوله (وعلمك ما لم تكن تعلم) ليس هو الذي علمه بوحي الكتاب والحكمة فقط فإن مورد الآية قضاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحوادث الواقعة والدعاوى التي ترفع إليه برأيه الخاص، وليس ذلك من الكتاب والحكمة بشئ وإن كان متوقفا عليهما بل رأيه ونظره الخاص به.
ومن هنا يظهر أن المراد بالانزال والتعليم في قوله (وأنزل الله عليك الكتاب