وإن وقع منه كما أراده يقال: أصاب، وقد يقال لمن فعل فعلا لا يحسن أو أراد إرادة لا تجمل: إنه أخطأ. ولهذا يقال: أصاب الخطأ، وأخطأ الصواب، وأصاب الصواب، وأخطأ الخطأ. وهذه اللفظة مشتركة كما ترى، مترددة بين معان يجب لمن يتحرى الحقائق أن يتأملها.
قال: والخطيئة والسيئة تتقاربان لكن الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصودا إليه في نفسه بل يكون القصد سببا لتولد ذلك الفعل منه كمن يرمى صيدا فأصاب إنسانا، أو شرب مسكرا فجنى جناية في سكره، والسبب سببان: سبب محظور فعله كشرب المسكر وما يتولد عنه من الخطأ غير متجاف عنه، وسبب غير محظور كرمى الصيد، قال تعالى: (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) وقال تعالى: (ومن يكسب خطيئة أو إثما) فالخطيئة هاهنا هي التي لا تكون عن قصد إلى فعلها (انتهى).
وأظن أن الخطيئة من الأوصاف التي استغنى عن موصوفاتها بكثرة الاستعمال كالمصيبة والرزية السليقة ونحوها، ووزن فعيل يدل على اختزان الحدث واستقراره، فالخطيئة هي العمل الذي اختزن واستقر فيه الخطأ، والخطأ الفعل الواقع الذي لا يقصده الانسان كقتل الخطأ، هذا في الأصل، ثم وسع إلى ما لا ينبغي للانسان أن يقصده لو كانت نفسه على سلامتها الفطرية، فكل معصية وأثر معصية من مصاديق الخطأ على هذا التوسع، والخطيئة هي العمل أو أثر العمل الذي لم يقصده الانسان (ولا يعد حينئذ معصية) أو لم يكن ينبغي أن يقصده (ويعد حينئذ معصية أو وبال معصية).
لكن الله سبحانه لما نسبها في قوله (ومن يكسب خطيئة) إلى الكسب كان المراد بها الخطيئة التي هي المعصية، فالمراد بالخطيئة في الآية هي التي تكون عن قصد إلى فعلها وإن كان من شأنها أن لا يقصد إليها.
وقد مر في قوله تعالى (قل فيهما إثم) (البقرة - 219) أن الاثم هو العمل الذي يوجب بوباله حرمان الانسان عن خيرات كثيرة كشرب الخمر والقمار والسرقة مما يصد الانسان عن حيازة الخيرات الحيوية، ويوجب انحطاطا اجتماعيا يسقط الانسان