وهو أمره صلى الله عليه وآله وسلم أمرا مطلقا بالحكم أن المراد بالخيانة مطلق التعدي على حقوق الغير ممن لا ينبغي منه ذلك لا خصوص الخيانة للودائع وإن كان ربما عطف الخاص على العام لعناية ما بشأنه لكن المورد كالخالي عن العناية، وسيجئ لهذا الكلام تتمه.
قوله تعالى: (واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما) الظاهر أن الاستغفار هاهنا هو أن يطلب من الله سبحانه الستر على ما في طبع الانسان من إمكان هضم الحقوق والميل إلى الهوى ومغفرة ذلك، وقد مر مرارا أن العفو والمغفرة يستعملان في كلامه تعالى في شؤون مختلفة يجمعها جامع الذنب، وهو التباعد من الحق بوجه. فالمعنى - والله أعلم -: ولا تكن للخائنين خصيما ولا تمل إليهم واطلب من الله سبحانه أن يوفقك لذلك ويستر على نفسك أن تميل إلى الدفاع عن خيانتهم ويتسلط عليك هوى النفس.
والدليل على إرادة ذلك ما في ذيل الآيات الكريمة (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ) فإن الآية تنص على أنهم لا يضرون النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن بذلوا غاية جهدهم في تحريك عواطفه إلى إيثار الباطل وإظهاره على الحق فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمن إلهي من الضرر، والله يعصمه فهو لا يجور في حكمه ولا يميل إلى الجور، ولا يتبع الهوى، ومن الجور والميل إلى الهوى المذموم أن يفرق في حكمه بين قوى وضعيف، أو صديق وعدو، أو مؤمن وكافر ذمي، أو قريب وبعيد، فأمره بأن يستغفر ليس لصدور ذنب ذي وبال وتبعه منه، ولا لاشرافه على ما لا يحمد منه بل ليسأل من الله أن يظهره على هوى النفس، ولا ريب في حاجته في ذلك إلى ربه وعدم استغنائه عنه وإن كان على عصمة فإن لله سبحانه أن يفعل ما يشاء.
وهذه العصمة مدار عملها ما يعد طاعة ومعصية، وما يحمد أو يذم عليه من الأعمال لا ما هو الواقع الخارجي، وبعبارة أخرى الآيات تدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم في أمن من اتباع الهوى، والميل إلى الباطل، وأما أن الذي يحكم ويقضى به بما شرعه من القواعد وقوانين القضاء الظاهرية كقوله (البينة على المدعى واليمين على من أنكر) ونحو ذلك يصادف دائما ما هو الحق في الواقع فينتج دائما غلبة المحق، ومغلوبية المبطل في دعواه، فالآيات لا تدل على ذلك أصلا، ولا أن القوانين الظاهرية في استطاعتها أن تهدى إلى ذلك قطعا فإنها امارات مميزة بين الحق والباطل غالبا لا دائما، ولا معنى لاستلزام