والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم) نوعان اثنان من العلم، أحدهما التعليم بالوحي ونزول الروح الأمين على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاخر: التعليم بنوع من الالقاء في القلب والالهام الخفى الإلهي من غير إنزال الملك وهذا هو الذي تؤيده الروايات الواردة في علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وعلى هذا فالمراد بقوله (وعلمك ما لم تكن تعلم) آتاك نوعا من العلم لو لم يؤتك إياه من لدنه لم يكفك في إيتائه الأسباب العادية التي تعلم الانسان ما يكتسبه من العلوم.
فقد بان من جميع ما قدمناه أن هذه الموهبة الإلهية التي نسميها قوة العصمة نوع من العلم والشعور يغاير سائر أنواع العلوم في أنه غير مغلوب لشئ من القوى الشعورية البتة بل هي الغالبة القاهرة عليها المستخدمة إياها، ولذلك كانت تصون صاحبها من الضلال والخطيئة مطلقا، وقد ورد في الروايات أن للنبي والامام روحا تسمى روح القدس تسدده وتعصمه عن المعصية والخطيئة وهى التي يشير إليها قوله تعالى (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا) (الشورى - 52) بتنزيل الآية على ظاهرها من إلقاء كلمة الروح المعلمة الهادية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونظيره قوله تعالى (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) (الأنبياء - 73) بناء على ما سيجئ من بيان معنى الآية إن شاء الله العزيز أن المراد به تسديد روح القدس الامام بفعل الخيرات وعبادة الله سبحانه.
وبان مما مر أيضا أن المراد بالكتاب في قوله (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم) هو الوحي النازل لرفع اختلافات الناس على حد قوله تعالى كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) (الآية) (البقرة - 213) وقد تقدم بيانه في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
والمراد بالحكمة سائر المعارف الإلهية النازلة بالوحي، النافعة للدنيا والآخرة، والمراد بقوله (وعلمك ما لم تكن تعلم) غير المعارف الكلية العامة من الكتاب والحكمة.
وبذلك يظهر ما في كلمات بعض المفسرين في تفسير الآية. فقد فسر بعضهم الكتاب بالقرآن، والحكمة بما فيه من الاحكام، و (ما لم تكن تعلم) بالأحكام والغيب،