وقوله (من يعمل سوء يجز به) مطلق يشمل الجزاء الدنيوي الذي تقرره الشريعة الاسلامية كالقصاص للجاني، والقطع للسارق، والجلد أو الرجم للزاني إلى غير ذلك من أحكام السياسات وغيرها ويشمل الجزاء الأخروي الذي أوعده الله تعالى في كتابه، وبلسان نبيه.
وهذا التعميم هو المناسب لمورد الآيات الكريمة والمنطبق عليه، وقد ورد في سبب النزول أن الآيات نزلت في سرقة ارتكبها بعض، ورمى بها يهوديا أو مسلما ثم ألحوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقضى على المتهم.
وقوله (ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا) يشمل الولي والنصير في صرف الجزاء السئ عنه في الدنيا كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو ولى الامر وكالتقرب منهما وكرامة الاسلام والدين، فالجزاء المشرع من عند الله لا يصرفه عن عامل السوء صارف، ويشمل الولي والنصير الصارف عنه سوء الجزاء في الآخرة إلا ما تشمله الآية التالية.
قوله تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) هذا هو الشق الثاني المتضمن لجزاء عامل العمل الصالح وهو الجنة، غير أن الله سبحانه شرط فيه شرطا يوجب تضييقا في فعلية الجزاء وعمم فيه من جهة أخرى توجب السعة.
فشرط في المجازاة بالجنة أن يكون الآتي بالعمل الصالح مؤمنا إذ الجزاء الحسن إنما هو بإزاء العمل الصالح ولا عمل للكافر، قال تعالى: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) (الانعام - 88)، وقال تعالى: (أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) (الكهف - 105).
قال تعالى: (ومن يعمل من الصالحات) فأتى بمن التبعيضية، وهو توسعة في الوعد بالجنة، ولو قيل: ومن يعمل الصالحات - والمقام مقام الدقة في الجزاء - أفاد أن الجنة لمن آمن وعمل كل عمل صالح، لكن الفضل الإلهي عمم الجزاء الحسن لمن آمن وأتى ببعض الصالحات فهو يتداركه فيما بقى من الصالحات أو أقترف من المعاصي بتوبة أو شفاعة كما قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (النساء - 116) وقد تقدم تفصيل الكلام في التوبة وفي قوله تعالى: (إنما التوبة على الله) (النساء - 17