إن شاء الله تعالى. قوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) ظاهر الحكم بين الناس هو القضاء بينهم في مخاصماتهم ومنازعاتهم مما يرجع إلى الأمور القضائية ورفع الاختلافات بالحكم، وقد جعل الله تعالى الحكم بين الناس غاية لانزال الكتاب فينطبق مضمون الآية على ما يتضمنه قوله تعالى (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) (الآية) (البقرة - 213) وقد مر تفصيل القول فيه.
فهذه الآية (إنا أنزلنا إليك الكتاب) (الخ) في خصوص موردها نظيرة تلك الآية (كان الناس أمة واحدة) في عمومها، وتزيد عليها في أنها تدل على جعل حق الحكم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحجية لرأيه ونظره فإن الحكم وهو القطع في القضاء وفصل الخصومة لا ينفك عن اعمال نظر من القاضي الحاكم واظهار عقيدة منه مضافا إلى ما عنده من العلم بالأحكام العامة والقوانين الكلية في موارد الخصومة فإن العلم بكليات الاحكام وحقوق الناس أمر، والقطع والحكم بانطباق مورد النزاع على بعضها دون بعض أمر آخر.
فالمراد بالإراءة في قوله (لتحكم بين الناس بما أراك الله) إيجاد الرأي وتعريف الحكم لا تعليم الاحكام والشرائع كما احتمله بعضهم.
ومضمون الآية على ما يعطيه السياق أن الله أنزل إليك الكتاب وعلمك أحكامه وشرائعه وحكمه لتضيف إليها ما أوجد لك من الرأي وعرفك من الحكم فتحكم بين الناس، وترفع بذلك اختلافاتهم.
قوله تعالى: (ولا تكن للخائنين خصيما) عطف على ما تقدمه من الجملة الخبرية لكونها في معنى الانشاء كأنه قيل: فحكم بينهم ولا تكن للخائنين خصيما.
والخصيم هو الذي يدافع عن الدعوى وما في حكمها، وفيه نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يكون خصيما للخائنين على من يطالبهم بحقوقه فيدافع عن الخائنين ويبطل حقوق المحقين من أهل الدعوى.
وربما أمكن أن يستفاد من عطف قوله (ولا تكن للخائنين) على ما تقدمه