القضاء، والنهى عن أن يميل القاضي في قضائه، والحاكم في حكمه إلى المبطلين، ويجور على المحقين كائنين من كانوا.
وذلك بالإشارة إلى بعض الحوادث الواقعة عند نزول الآيات، ثم البحث فيما يتعلق بذلك من الحقائق الدينية والامر بلزومها ورعايتها، وتنبيه المؤمنين أن الدين إنما هو حقيقة لا اسم، وإنما ينفع التلبس به دون التسمي.
والظاهر أن هذه القصة هي التي يشير إليها قوله تعالى (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا) حيث يدل على أنه كان هناك شئ من المعاصي التي تقبل الرمي كسرقة أو قتل أو إتلاف أو إضرار ونحوها، وأنه كان من المتوقع أن يهتموا بإضلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حكمه، والله عاصمه.
والظاهر أن هذه القصة أيضا هي التي تشير إليها الآيات الأول كما في قوله تعالى (ولا تكن للخائنين خصيما) (الآية) وقوله (يستخفون من الناس) (الآية) وقوله (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم) (الخ) فإن الخيانة وإن كان ظاهرها ما يكون في الودائع والأمانات لكن سياق قوله (إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس) كما سيجئ بيانه يعطى أن المراد بها ما يتحقق في سرقة ونحوها بعناية أن المؤمنين كنفس واحدة، وما لبعضهم من المال مسؤول عنه البعض الاخر من حيث رعاية احترامه، والاهتمام بحفظه وحمايته، فتعدى بعضهم إلى مال البعض خيانة منهم لأنفسهم.
فالتدبر يقرب أن القصة كأنها سرقة وقعت من بعضهم ثم رفع الامر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرمى بها السارق غيره ممن هو برئ منها، ثم ألح قوم السارق عليه صلى الله عليه وآله وسلم ان يقضى لهم، وبالغوا في أن يغيروه صلى الله عليه وآله وسلم على المتهم البرئ فأنزلت الآيات وبرأه الله مما قالوا.
فالآيات أشد انطباقا على ما روى في سبب النزول من قصة سرقة أبى طعمة بن الأبيرق، وإن كانت أسباب النزول - كما سمعت مرارا - في أغلب ما رويت من قبيل تطبيق القصص المأثورة على ما يناسبها من الآيات القرآنية.
ويستفاد من الآيات حجية قضائه صلى الله عليه وآله وسلم، وعصمته وحقائق اخر سيأتي بيانها