قابلوه به من نقض الميثاق، وما قابلهم به الله سبحانه من اللعن وتقسية القلوب (الخ).
فقال: " ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل " وهو الذي يذكره كثيرا في سورة البقرة وغيرها: " وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا " والظاهر أنهم رؤساء الأسباط الاثني عشر، كانوا كالولاة عليهم يتولون أمورهم فنسبتهم إلى أسباطهم بوجه كنسبة أولي الأمر إلى الافراد في هذه الأمة لهم المرجعية في أمور الدين والدنيا غير أنهم لا يتلقون وحيا، ولا يشرعون شريعة، وإنما ذلك إلى الله ورسوله " وقال الله إني معكم " إيذان بالحفظ والمراقبة فيتفرع عليه أن ينصرهم إن أطاعوه ويخذلهم إن عصوه ولذلك ذكر الامرين جميعا فقال: " لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلى وعزرتموهم " والتعزير هو النصرة مع التعظيم، والمراد بالرسل ما سيستقبلهم ببعثته ودعوته كعيسى ومحمد عليهما السلام وسائر من بعثه الله بين موسى ومحمد عليهم السلام " وأقرضتم الله قرضا حسنا " وهو الانفاق المندوب دون الزكاة الواجبة " لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار " فهذا ما يرجع إلى جميل الوعد. ثم قال: " فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ".
قوله تعالى: " فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية " ذكر تعالى جزاء الكفر بالميثاق المذكور ضلال سواء السبيل، وهو ذكر إجمالي يفصله ما في هذه الآية من أنواع النقم التي نسب الله سبحانه بعضها إلى نفسه كاللعن وتقسية القلوب مما تستقيم فيه النسبة، وبعضها إلى أنفسهم مما وقع باختيارهم كالذي يعنى بقوله: " ولا تزال تطلع على خائنة منهم " فهذا كله جزاؤهم بما كفروا بآيات الله التي على رأسها الميثاق المأخوذ منهم، أو جزاء كفرهم بالميثاق خاصة فإن سواء السبيل الذي ضلوه هو سبيل السعادة التي بها عمارة دنياهم وأخراهم.
فقوله: " فبما نقضهم ميثاقهم " الظاهر أنه هو الكفر الذي توعد الله عليه في الآية السابقة، ولفظة " ما " في قوله: " فبما " للتأكيد، ويفيد الابهام لغرض التعظيم أو التحقير أو غيرهما، والمعنى: فبنقض ما منهم لميثاقهم " لعناهم " واللعن هو الابعاد من الرحمة " وجعلنا قلوبهم قاسية " وقسوة القلب مأخوذ من قسوة الحجارة وهى صلابتها والقسي من القلوب ما يخشع لحق ولا يتأثر برحمة، قال تعالى: " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون " (الحديد 16).