على صلاحهم، ثم يكون البلوى ويرجع المؤمنون إلى أعقابهم القهقرى، ومآل ذلك عود هذه المنة الإلهية فتنة ومحنة مهلكة، وصيرورة هذا التخفيف الذي هو نعمة نقمة.
فحذر الله المؤمنين بعد بيان حلية طعامهم والمحصنات من نسائهم أن لا يسترسلوا في التنعم بهذه النعمة استرسالا يؤدى إلى الكفر بالايمان، وترك أركان الدين، والاعراض عن الحق فإن ذلك يوجب حبط العمل، وينجر إلى خسران السعي في الآخرة.
واعلم أن للمفسرين في هذه الآية أعني قوله: " اليوم أحل لكم الطيبات " إلى آخر الآية) خوضا عظيما ردهم إلى تفاسير عجيبة لا يحتملها ظاهر اللفظ، وينافيها سياق الآية كقول بعضهم: إن قوله: " أحل لكم الطيبات " يعنى من الطعام كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي، وقول بعضهم: إن قوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " أي بمقتضى الأصل الأولى لم يحرمه الله عليكم قط، وإن اللحوم من الحل وإن لم يذكوها إلا بما عندهم من التذكية، وقول بعضهم: إن المراد بقوله: " وطعام الذين " هو مؤاكلتهم، وقول بعضهم: إن المراد بقوله: (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " بيان الحلية بحسب الأصل من غير أن يكون محرما قبل ذلك بل قوله تعالى: " وأحل لكم ما وراء ذلكم " (النساء: 24) كاف في إحلالهن، وقول بعضهم: إن المراد بقوله: " ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله " التحذير عن رد ما في صدر الآية من قضية حل طعام أهل الكتاب والمحصنات من نسائهم.
فهذه وأمثالها معان احتملوها، وهى بين ما لا يخلو من مجازفة وتحكم كتقييد قوله: " اليوم أحل " بما تقدم من غير دليل عليه وبين ما يدفعه ظاهر السياق من التقييد باليوم والامتنان والتخفيف وغير ذلك مما تقدم بيانه والبيان السابق الذي استظهرنا فيه باعتبار ظواهر الآيات الكريمة كاف في إبطالها وإبانة وجه الفساد فيها.
وأما كون آية: " وأحل لكم ما وراء ذلكم " دالة على حل نكاح الكتابية فظاهر البطلان لظهور كون الآية في مقام بيان محرمات النساء ومحللاتهن بحسب طبقات النسب والسبب لا بحسب طبقات الأديان والمذاهب.