تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٥ - الصفحة ٢١٣
إذ لم يحرم شئ منه على بني إسرائيل لا قبل التوراة ولا بعدها، فالطعام في الأصل كل ما يطعم أي يذاق أو يؤكل، قال تعالى في ماء النهر حكاية عن طالوت: فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى " وقال: " فإذا طعمتم فانتشروا " أي أكلتم.
وليت شعري ما ذا فهم من قولهم: " الطعام إذا أطلق كان المراد به الحبوب وأشباهها " فلم يلبث حتى أورد عليهم بمثل قوله: " يطعمه " وقوله: " طعمتم " من مشتقات الفعل؟
وإنما قالوا ما قالوا في لفظ الطعام، لا في الافعال المصوغة منه. وأورد بمثل: " وطعام البحر " والإضافة أجلى قرينة، فليس ينبت في البحر بر ولا شعير. وأورد بمثل: " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل " ثم ذكر هو نفسه أن من المعلوم من دينهم أنهم لم يحرم عليهم البر أو الحب. وكان ينبغي عليه أن يراجع من القرآن موارد أطلق اللفظ فيها إطلاقا ثم يقول ما هو قائله كقوله: " فديه طعام مسكين " (البقرة: 184) وقوله:
" أو كفارة طعام مساكين " (المائدة: 95) وقوله: " ويطعمون الطعام " (الانسان:
8) وقوله " فلينظر الانسان إلى طعامه " (عبس: 24) ونحو ذلك.
ثم قال: وليس الحب مظنة للتحليل والتحريم، وإنما اللحم هو الذي يعرض له ذلك لوصف حسي كموت الحيوان حتف أنفه، أو معنوى كالتقرب به إلى غير الله ولذلك قال تعالى: قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا " الآية (الانعام: 145) وكله يتعلق بالحيوان وهو نص في حصر التحريم فيما ذكر، فتحريم ما عداه يحتاج إلى نص.
وكلامه هذا أعجب من سابقة: أما قوله: ليس الحب مظنة للتحليل والتحريم وإنما اللحم هو الذي يعرض له ذلك، فيقال له: في أي زمان يعنى ذلك؟ أفي مثل هذه الأزمنة وقد استأنس الأذهان بالاسلام وعامة أحكامه منذ عدة قرون، أم في زمان النزول ولم يمض من عمر الدين إلا عدة سنين؟ وقد سألوا النبي صلى الله وآله وسلم عن أشياء هي أوضح من حكم الحبوب وأشباهها وأجلى، وقد حكى الله تعالى بعض ذلك كما في قوله: " يسألونك ما ذا ينفقون " (البقرة: 215) وقد روى عبد بن حميد عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجالا قالوا: كيف نتزوج نساءهم وهم على دين ونحن على دين فأنزل الله: " ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله " الحديث. وقد مر وسيجئ لهذا القول نظائر في تضاعيف الروايات كما نقلناه في حج التمتع وغير ذلك.
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة النساء 5
2 (77 - 80) كلام في استناد الحسنات والسيئات إليه تعالى. (بحث قرآني) 9
3 (85 - 91) في معنى التحية. (بحث قرآني) 31
4 (95 - 100) في المستضعف. (بحث قرآني) 51
5 (105 - 126) في معنى العصمة. (بحث قرآني) 78
6 سورة المائدة 156
7 (1 - 3) في معنى العقد. (بحث قرآني) 158
8 بحث علمي في فصول ثلاثة: (1 - 3) 1 - العقائد في اكل اللحم. (بحث علمي) 183
9 (1 - 3) 2 - كيف امر بقتل الحيوان والرحمة تأباه؟ (بحث علمي) 184
10 (1 - 3) 3 - لماذا بني الاسلام على التذكية؟ (بحث علمي) 187
11 (15 - 19) كلام في طريق التفكر الذي يهدي إليه القرآن (بحث مختلط قرآني وروائي) 254
12 (15 - 19) في تاريخ التفكر الاسلامي اجمالا. (بحث تاريخي) 271
13 (27 - 32) كلام في معنى الاحساس والتفكير. (بحث قرآني) 308
14 (27 - 32) في تطبيق قصة ابني آدم على ما في التوراة. (بحث علمي) 323
15 (41 - 50) كلام في معنى الشريعة والفرق بينها وبين الدين والملة في عرف القرآن. (بحث قرآني) 350
16 (51 - 54) كلام في معنى مرض القلب. (بحث قرآني) 377
17 (51 - 54) كلام في كليات حوادث آخر الزمان. (بحث قرآني وروائي) 390