كقوله: " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " (آل عمران: 64) وقوله: " قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا " (أسرى: 93) إلى غير ذلك من الآيات.
وبالجملة ليس المراد بقوله: " وطعام الذين "، بيان حل طعام أهل الكتاب للمسلمين حكما مستقلا وحل طعام المسلمين لأهل الكتاب حكما مستقلا آخر، بل بيان حكم واحد وهو ثبوت الحل وارتفاع الحرمة عن الطعام، فلا منع في البين حتى يتعلق بأحد الطرفين نظير قوله تعالى: " فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن " (الممتحنة: 10) أي لا حل في البين حتى يتعلق بأحد الطرفين.
ثم إن الطعام بحسب أصل اللغة كل ما يقتات به ويطعم لكن قيل: إن المراد به البر وسائر الحبوب ففي لسان العرب: وأهل الحجاز إذا أطلقوا اللفظ بالطعام عنوا به البر خاصة: قال: وقال الخليل: العالي في كلام العرب أن الطعام هو البر خاصة، انتهى.
وهو الذي يظهر من كلام ابن الأثير في النهاية ولهذا ورد في أكثر الروايات المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام: أن المراد بالطعام في الآية هو البر وسائر الحبوب إلا ما في بعض الروايات مما يظهر به معنى آخر وسيجئ الكلام فيه في البحث الروائي الآتي.
وعلى أي حال لا يشمل هذا الحل ما لا يقبل التذكية من طعامهم كلحم الخنزير، أو يقبلها من ذبائحهم لكنهم لم يذكوها كالذي لم يهل به لله، ولم يذك تذكية إسلامية فإن الله سبحانه عد هذه المحرمات المذكورة في آيات التحريم - وهى الآي الأربع التي في سور البقرة والمائدة والانعام والنحل - رجسا وفسقا وإثما كما بيناه فيما مر، و حاشاه سبحانه أن يحل ما سماه رجسا أو فسقا أو إثما امتنانا بمثل قوله: " اليوم أحل لكم الطيبات ".
على أن هذه المحرمات بعينها واقعة قبيل هذه الآية في نفس السورة وليس لاحد أن يقول في مثل المورد بالنسخ وهو ظاهر، وخاصة في مثل سورة المائدة التي ورد فيها أنها ناسخة غير منسوخة.
قوله تعالى: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، الاتيان في متعلق الحكم بالوصف أعني ما في قوله: " الذين أوتوا الكتاب " من غير أن يقال: من اليهود والنصارى مثلا أو يقال: من أهل الكتاب، لا يخلو من إشعار بالعلية