يسلك أمثال هذه المظالم والعدوانات بالاغتيال والفك بالحيوان العجم إلا إلى عاقبة سوأى على ما شاهدنا كثيرا.
قوله تعالى: " اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم " إعادة ذكر حل الطيبات مع ذكره في الآية السابقة، وتصديره بقوله: " اليوم " للدلالة على الامتنان منه تعالى على المؤمنين بإحلال طعام أهل الكتاب والمحصنات من نسائهم للمؤمنين.
وكأن ضم قوله: " أحل لكم الطيبات " إلى قوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب " (الخ) من قبيل ضم المقطوع به إلى المشكوك فيه لايجاد الطمأنينة في نفس المخاطب وإزالة ما فيه من القلق والاضطراب كقول السيد لخادمه: لك جميع ما ملكتكه وزيادة هي كذا وكذا فإنه إذا ارتاب في تحقق ما يعده سيده من الاعطاء شفع ما يشك فيه بما يقطع به ليزول عن نفسه أذى الريب إلى راحة العلم، ومن هذا الباب بوجه قوله تعالى: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " (يونس: 26) وقوله تعالى: " لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد " (ق: 35).
فكان نفوس المؤمنين لا تسكن عن اضطراب الريب في أمر حل طعام أهل الكتاب لهم بعد ما كانوا يشاهدون التشديد التام في معاشرتهم ومخالطتهم ومساسهم وولايتهم حتى ضم إلى حديث حل طعامهم أمر حل الطيبات بقول مطلق، ففهموا منه أن طعامهم من سنخ سائر الطيبات المحللة فسكن بذلك طيش نفوسهم، واطمأنت قلوبهم وكذلك القول في قوله: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم.
وأما قوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم " فالظاهر أنه كلام واحد ذو مفاد واحد، إذ من المعلوم أن قوله: " وطعامكم حل لهم " ليس في مقام تشريع حكم الحل لأهل الكتاب وتوجيه التكليف إليهم وإن قلنا بكون الكفار مكلفين بالفروع الدينية كالأصول، فإنهم غير مؤمنين بالله ورسوله وبما جاء به رسوله ولا هم يسمعون ولا هم يقبلون، وليس من دأب القرآن أن يوجه خطابا أو يذكر حكما إذا استظهر من المقام أن الخطاب معه يكون لغوا والتكليم معه يذهب سدى. اللهم إلا إذا أصلح ذلك بشئ من فنون التكليم كالالتفات من خطاب الناس إلى خطاب النبي ونحو ذلك