نزولها يوم الغدير فليس من المستبعد أن يكون ذلك لتلاوته صلى الله عليه وآله وسلم الآية مقارنة لتبليغ أمر الولاية لكونها في شأنها.
وعلى هذا فلا تنافى بين الروايات أعني ما دل على نزول الآية في أمر الولاية، وما دل على نزولها يوم عرفة كما روى عن عمر وعلى ومعاوية وسمرة، فإن التنافي إنما كان يتحقق لو دل أحد القبيلين على النزول يوم غدير خم، والاخر على النزول على يوم عرفة.
واما ما في القبيل الثاني من الروايات أن الآية تدل على كمال الدين بالحج وما أشبهه فهو من فهم الراوي لا ينطبق به الكتاب ولا بيان من النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعتمد عليه.
وربما استفيد هذا الذي ذكرناه مما رواه العياشي في تفسيره عن جعفر بن محمد بن محمد الخزاعي عن أبيه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرفات يوم الجمعة أتاه جبرئيل فقال له: إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: قل لامتك: اليوم أكملت دينكم بولاية علي بن أبي طالب وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ولست أنزل عليكم بعد هذا، قد أنزلت عليكم الصلاة والزكاة، والصوم والحج، وهى الخامسة، ولست اقبل عليكم بعد هذه الأربعة إلا بها.
على أن فيما نقل عن عمر من نزول الآية يوم عرفة إشكالا آخر، وهو أنها جميعا تذكر ان بعض أهل الكتاب - وفى بعضها انه كعب - قال لعمر: إن في القرآن آية لو نزلت مثلها علينا معشر اليهود لاتخذنا اليوم الذي نزلت فيه عيدا، وهى قوله: " اليوم أكملت لكم دينكم " (الآية) فقال له عمر: والله انى لاعلم اليوم وهو يوم عرفة من حجة الوداع.
ولفظ ما رواه ابن راهويه وعبد بن حميد عن أبي العالية هكذا: قال كانوا عند عمر فذكروا هذه الآية، فقال رجل من أهل الكتاب: لو علمنا أي يوم نزلت هذه الآية لاتخذناه عيدا، فقال عمر الحمد لله الذي جعله لنا عيدا واليوم الثاني، نزلت يوم عرفة و اليوم الثاني يوم النحر فأكمل لنا الامر فعلمنا أن الامر بعد ذلك في انتقاص.
وما يتضمنه آخر الرواية مروى بشكل آخر ففي الدر المنثور: عن ابن أبي شيبة و ابن جرير عن عنترة قال: لما نزلت " اليوم أكملت لكم دينكم " وذلك يوم الحج الأكبر بكى عمر فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يبكيك؟ قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا فأما إذ كمل فإنه لم يكمل شئ قط إلا نقص، فقال: صدقت.