بالايمان إنما يصدق إذا ترك الانسان العمل بما يقتضيه إيمانه، ويتعلق به علمه، ودام عليه، وأما إذا ستر مرة أو مرتين من غير أن يدوم عليه فلا يصدق عليه الكفر وإنما هو فسق أتى به.
ومن هنا يظهر أن المراد بقوله: " ومن يكفر بالايمان " هو المداومة والاستمرار عليه وإن كان عبر بالفعل دون الوصف. فتارك الاتباع لما حق عنده من الحق، وثبت عنده من أركان الدين كافر بالايمان، حابط العمل كما قال تعالى: " فقد حبط عمله ".
فالآية تنطبق على قوله تعالى: " وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون " (الأعراف: 147) فوصفهم باتخاذ سبيل الغى وترك سبيل الرشد بعد رؤيتهما وهى العلم بهما ثم بدل ذلك بتوصيفهم بتكذيب الآيات، والآية إنما تكون آية بعد العلم بدلالتها، ثم فسره بتكذيب الآخرة لما أن الآخرة لو لم تكذب منع العلم بها عن ترك الحق، ثم أخبر بحبط أعمالهم.
ونظير ذلك قوله تعالى: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا " (الكهف: 105) وانطباق الآيات على مورد الكفر بالايمان بالمعنى الذي تقدم بيانه ظاهر.
وبالتأمل فيما ذكرنا يظهر وجه اتصال الجملة أعني قوله: " ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله " بما قبله فالجملة متممة للبيان السابق، وهى في مقام التحذير عن الخطر الذي يمكن ان يتوجه إلى المؤمنين بالتساهل في أمر الله، والاسترسال مع الكفار فإن الله سبحانه إنما أحل طعام أهل الكتاب والمحصنات من نسائهم للمؤمنين ليكون ذلك تسهيلا وتخفيفا منه لهم، وذريعة إلى انتشار كلمة التقوى، وسراية الأخلاق الطاهرة الاسلامية من المسلمين المتخلقين بها إلى غير هم، فيكون داعية إلى العلم النافع، وباعثة نحو العمل الصالح.
فهذا هو الغرض من التشريع لا لان يتخذ ذلك وسيلة إلى السقوط في مهابط الهوى، والاصعاد في أودية الهوسات، والاسترسال في حبهن والغرام بهن، والتوله في جمالهن، فيكن قدوة تتسلط بذلك أخلاقهن وأخلاق قومهن على أخلاق المسلمين، ويغلب فسادهن