الكتاب، وليس المراد بالمحصنات الحرائر فإن الامتنان المفهوم من الآية لا يلائم تخصيص الحل بالحرائر دون الإماء، فلم يبق من معاني الاحصان إلا العفة فتعين أن المراد بالمحصنات العفائف.
وبعد ذلك كله إنما تصرح الآية بتشريع حل المحصنات من أهل الكتاب للمؤمنين من غير تقييد بدوام أو انقطاع إلا ما ذكره من اشتراط الاجر وكون التمتع بنحو الاحصان لا بنحو المسافحة واتخاذ الاخدان، فينتج أن الذي أحل للمؤمنين منهن أن يكون على طريق النكاح عن مهر وأجر دون السفاح، من غير شرط آخر من نكاح دوام أو انقطاع وقد تقدم في قوله تعالى: " فما استمتعتم به منهن فآتوهن " الآية (النساء:
24) في الجزء الرابع من الكتاب أن المتعة نكاح كالنكاح الدائم، وللبحث بقايا تطلب من علم الفقه.
قوله تعالى: " إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان " الآية في مساق قوله تعالى في آيات محرمات النكاح: " وأحل لكم ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين " (النساء: 24). والجملة قرينة على كون المراد بالآية بيان حلية التزوج بالمحصنات من أهل الكتاب من غير شمول منها لملك اليمين.
قوله تعالى: " ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين " الكفر في الأصل هو الستر فتحقق مفهومه يتوقف على أمر ثابت يقع عليه الستر كما أن الحجاب لا يكون حجابا إلا إذا كان هناك محجوب فالكفر يستدعى مكفورا به ثابتا كالكفر بنعمة الله والكفر بآيات الله والكفر بالله ورسوله واليوم الآخر.
فالكفر بالايمان يقتضى وجود إيمان ثابت، وليس المراد به المعنى المصدري من الايمان بل معنى اسم المصدر وهو الأثر الحاصل والصفة الثابتة في قلب المؤمن أعني الاعتقادات الحقة التي هي منشأ الأعمال الصالحة، فيؤل معنى الكفر بالايمان إلى ترك العمل بما يعلم أنه حق كتولي المشركين، والاختلاط بهم، والشركة في أعمالهم مع العلم بحقية الاسلام، وترك الأركان الدينية من الصلاة والزكاة والصوم والحج مع العلم بثبوتها أركانا للدين.
فهذا هو المراد من الكفر بالايمان لكن ههنا نكتة وهى أن الكفر لما كان سترا وستر الأمور الثابتة لا يصدق بحسب ما يسبق إلى الذهن إلا مع المداومة والمزاولة فالكفر