ويدل عليه أيضا مسألة الادعاء والتبني الدائر في الجاهلية فإن الادعاء لم يكن بينهم مجرد تسمية ونسبة بل كان ذلك أمرا دائرا بينهم يبتغي به أقوياؤهم تكثير العدة والقوة بالالحاق ويستندون فيه إلى زنا ارتكبوه مع الحرائر حتى ذوات الأزواج منهم وأما الإماء فهم ولا سيما أقوياؤهم يعيبون الاختلاط بهن والمعاشقة والمغازلة معهن وإنما كانت شأن الإماء في ذلك أن مواليهن يقيمونهن ذلك المقام اكتسابا واسترباحا.
ومن الدليل على ما ذكرناه ما ورد من قصص الالحاق في السير والآثار كقصة إلحاق معاوية بن أبي سفيان زياد بن أبيه لأبيه أبي سفيان وما شهد به شاهد الامر عند ذلك وغيرها من القصص المنقولة نعم ربما يستشهد على عدم فشو الزنا بين الحرائر في الجاهلية بقول هند للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند البيعة وهل الحرة تزني؟ لكن الرجوع إلى ديوان حسان والتأمل فيما هجا به هندا بعد وقعتي بدر وأحد يرفع اللبس ويكشف ما هو حقيقة الامر.
ثم قال بعد كلام له في تنقيح معنى الأحاديث ورفعه التدافع الواقع بينها على زعمه والعمدة عند أهل السنة في تحريمها وجوه أولها ما علمت من منافاتها لظاهر القرآن في أحكام النكاح والطلاق والعدة إن لم نقل لنصوصه وثانيها الأحاديث المصرحة بتحريمها تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة إلى أن قال وثالثها نهى عمر عنها وإشارته بتحريمها على المنبر وإقرار الصحابة له على ذلك وقد علم أنهم ما كانوا يقرون على منكر وأنهم كانوا يرجعونه إذا أخطأ.
ثم اختار أن تحريمه لها لم يكن عن اجتهاد منه وإنما كان استنادا إلى التحريم الثابت بنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما يسند إليه التحريم من جهة أنه مبين للحرمة أو منفذ لها كما يقال حرم الشافعي النبيذ وأحله أبو حنيفة.
أقول أما الوجه الأول والثاني فقد عرفت آنفا وفي البيان المتقدم حقيقة القول فيهما بما لا مزيد عليه وأما الوجه الثالث فتحريم عمر لها سواء كان ذلك باجتهاد منه أو باستناده إلى تحريم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يدعيه هذا القائل وسواء كان سكوت الصحابة عنه هيبة له وخوفا من تهديده أو إقرارا له في تحريمه كما ذكره أو لعدم