الجارية عند الباحثين اليوم هو الآثار والنتائج المرضية أو غير المرضية الحاصلة من جريانها في الجوامع وقبول الجوامع لها بفعليتها الموجودة وعدم قبولها وما أظن أنهم على غفلة من أن المجتمع ربما اشتمل على بعض سنن وعادات وعوارض لا تلائم الحكم المبحوث عنه وأنه يجب تجهيز المجتمع بما لا ينافي الحكم أو السنة المذكورة حتى يرى إلى ما يصير أمره وما ذا يبقى من الأثر خيرا أو شرا أو نفعا أو ضرا؟ إلا أنهم يعتبرون في القوانين الموضوعة ما يريده ويستدعيه المجتمع بحاضر إرادته وظاهر فكرته كيفما كان فما وافق إرادتهم ومستدعياتهم فهو القانون الصالح وما خالف ذلك فهو القانون غير الصالح.
ولذلك لما رأوا المسلمين تائهين في أودية الغى فاسدين في معاشهم ومعادهم نسبوا ما يشاهدونه منهم من الكذب والخيانة والخنى وهضم الحقوق وفشو البغى وفساد البيوت واختلال الاجتماع إلى القوانين الدينية الدائرة بينهم زعما منهم أن السنة الاسلامية في جريانها بين الناس وتأثيرها أثرها كسائر السنن الاجتماعية التي تحمل على الناس عن إحساسات متراكمة بينهم ويستنتجون من ذلك أن الاسلام هو المولد لهذه المفاسد الاجتماعية ومنه ينشأ هذا البغى والفساد (وفيهم أبغى البغى وأخنى الخنى وكل الصيد في جوف الفراء ولو كان دينا واقعيا وكانت القوانين الموضوعة فيه جيدة متضمنة لصلاح الناس وسعادتهم لأثرت فيهم الآثار المسعدة الجميلة ولم ينقلب وبالا عليهم.
ولكنهم خلطوا بين طبيعة الحكم الصالحة المصلحة وبين طبيعة الناس الفاسدة المفسدة والاسلام مجموع معارف أصلية وأخلاقية وقوانين عملية متناسبة الأطراف مرتبطة الاجزاء إذا أفسد بعض أجزائها أوجب ذلك فساد الجميع وانحرافها في التأثير كالأدوية والمعاجين المركبة التي تحتاج في تأثيرها الصحي إلى سلامة أجزائها وإلى محل معد مهيأ لورودها وعملها ولو أفسد بعض أجزائها أو لم يعتبر في الانسان المستعمل لها شرائط الاستعمال بطل عنها وصف التأثير وربما أثرت ما يضاد أثرها المترقب منها.
هب أن السنة الاسلامية لم تقو على إصلاح الناس ومحق الذمائم والرذائل العامة لضعف مبانيها التقنينية فما بال السنة الديموقراطية لا تنجع في بلادنا الشرقية أثرها في