التامة لكل متفكر يرى نفسه صالحة للتفكر مستعدة للبحث والتنقير أن يتفكر فيما يتعلق بمعارف الدين ويتعمق في تفهمها والنظر فيها على أن الآيات القرآنية مشحونة بالحث والترغيب في التفكر والتعقل والتذكر.
ومن المعلوم أن اختلاف العوامل الذهنية والخارجية مؤثرة في اختلاف الافهام من حيث تصورها وتصديقها ونيلها وقضائها وهذا يؤدى إلى الاختلاف في الأصول التي بنى على أساسها المجتمع الاسلامي كما تقدم.
إلا أن الاختلاف بين إنسانين في الفهم على ما يقضى به فن معرفة النفس وفن الأخلاق وفن الاجتماع يرجع إلى أحد أمور أما إلى اختلاف الأخلاق النفسانية والصفات الباطنة من الملكات الفاضلة والردية فإن لها تأثيرا وافرا في العلوم والمعارف الانسانية من حيث الاستعدادات المختلفة التي تودعها في الذهن فما إدارك الانسان المنصف وقضاؤه الذهني كادراك الشموس المتعسف ولا نيل المعتدل الوقور للمعارف كنيل العجول والمتعصب وصاحب الهوى والهمجى الذي يتبع كل ناعق والغوى الذي لا يدرى أين يريد ولا أنى يراد به والتربية الدينية تكفى مؤونة هذا الاختلاف فإنها موضوعة على نحو يلائم الأصول الدينية من المعارف والعلوم وتستولد من الأخلاق ما يناسب تلك الأصول وهى مكارم الأخلاق قال تعالى كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم: الأحقاف - 30 وقال تعالى يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم: المائدة - 16 وقال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين: العنكبوت - 69 وانطباق الآيات على مورد الكلام ظاهر.
وإما أن يرجع إلى اختلاف الافعال فإن الفعل المخالف للحق كالمعاصي وأقسام التهوسات الانسانية ومن هذا القبيل أقسام الاغواء والوساوس يلقن الانسان وخاصة العامي الساذج الأفكار الفاسدة ويعد ذهنه لدبيب الشبهات وتسرب الآراء الباطلة فيه وتختلف إذ ذاك الافهام وتتخلف عن اتباع الحق وقد كفى مؤونة هذا أيضا الاسلام حيث أمر المجتمع بإقامة الدعوة الدينية دائما أولا وكلف المجتمع بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر ثانيا وأمر بهجرة أرباب الزيغ والشبهات ثالثا قال تعالى