ويكون جميع الآيات الثلث كلاما واحدا مسوقا لغرض واحد وهو فرض صيام شهر رمضان، وأما جعل قوله: شهر رمضان مبتدئا خبره قوله: الذي انزل فيه القرآن فإنه وان أوجب استقلال الآية وصلاحيتها لان تنزل وحدها غير أنها لا تصلح حينئذ لان تكون ناسخة لما قبلها لعدم المنافاة بينها وبين سابقتها، مع أن النسخ مشروط بالتنافي والتباين.
وأضعف من هذا القول قول آخرين - على ما يظهر منهم -: ان الآية الثانية أعني قوله تعالى: اياما معدودات إلخ، ناسخة للآية الأولى أعني قوله تعالى: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم إلخ، وذلك أن الصوم كان مكتوبا على النصارى ثم زادوا فيه ونقصوا بعد عيسى عليه السلام حتى استقر على خمسين يوما، ثم شرعه الله في حق المسلمين بالآية الأولى فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس يصومونها في صدر الاسلام حتى نزل قوله تعالى: أياما معدودات إلخ، فنسخ الحكم واستقر الحكم على غيره.
وهذا القول أوهن من سابقه وأظهر بطلانا، ويرد عليه جميع ما يرد على سابقه من الاشكال، وكون الآية الثانية من متممات الآية الأولى أظهر وأجلى، وما استند إليه القائل من الروايات أوضح مخالفة لظاهر القرآن وسياق الآية.
قوله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من إيام أخر، الفاء للتفريع والجملة متفرعة على قوله: كتب عليكم، وقوله: معدودات اه، أي إن الصيام مكتوب مفروض، والعدد مأخوذ في الفرض، وكما لا يرفع اليد عن أصل الفرض كذلك لا يرفع اليد عن العدد، فلو عرض عارض يوجب ارتفاع الحكم الفرض عن الأيام المعدودات التي هي أيام شهر رمضان كعارض المرض والسفر، فإنه لا يرفع اليد عن صيام عدة من أيام أخر خارج شهر رمضان تساوي ما فات المكلف من الصيام عددا، وهذا هو الذي أشار تعالى إليه في الآية الثالثة بقوله: ولتكملوا العدة، فقوله تعالى: أياما معدودات، كما يفيد معنى التحقير كما مر يفيد كون العدد ركنا مأخوذا في الفرض والحكم.
ثم إن المرض خلاف الصحة والسفر مأخوذ من السفر بمعنى الكشف كأن المسافر