وظهور الفساد، فيحتاج الكلام إلى التقدير وهو خلاف الظاهر، والقائل مع ذلك لا يرضى بتقدير الاختلاف في الكلام.
وثالثا: أنه مبني على أخذ الاختلاف الذي تذكره الآية وتتعرض به اختلافا واحدا، والآية كالنص في كون الاختلاف اختلافين اثنين، حيث تقول: وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، فهو اختلاف سابق على الكتاب والمختلفون بهذا الاختلاف هم الناس، ثم تقول وما اختلف فيه اي في الكتاب إلا الذين أوتوه أي علموا الكتاب وحملوه بغيا بينهم، وهذا الاختلاف لاحق بالكتاب متأخر عن نزوله، والمختلفون بهذا الاختلاف علماء الكتاب وحملته دون جميع الناس، فأخذ الاختلافين غير الآخر: أحدهما اختلاف عن بغي وعلم، والآخر بخلافه.
قوله تعالى: " فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " الخ " عبر تعالى بالبعث دون الارسال وما في معناه لان هذه الوحدة المخبر عنها من حال الانسان الأولي حال خمود وسكوت، وهو يناسب البعث الذي هو الإقامة عن نوم أو قطون ونحو ذلك، وهذه النكتة لعلها هي الموجبة للتعبير عن هؤلاء المبعوثين بالنبيين دون ان يعبر بالمرسلين أو الرسل، على أن البعث وانزال الكتاب كما تقدم بيانه حقيقتهما بيان الحق للناس وتنبيههم بحقيقة أمر وجودهم وحياتهم، وإنبائهم انهم مخلوقون لربهم، وهو الله الذي لا آله إلا الله، وأنهم سالكون كادحون إلى الله يوم عظيم، واقفون في منازل من منازل السير، لا حقيقة له إلا لعب وغرور، فيجب أن يراعوا ذلك في هذه الحياة وأفعالها، وان يجعلوا نصب أعينهم انهم من أين، وهذا المعنى أنسب بلفظ النبي الذي معناه: من استقر عنده النبأ دون الرسول، ولذلك عبر بالبنين، وفي أسناد بعث النبيين إلى الله سبحانه دلالة على عصمة الأنبياء في تلقيهم الوحي وتبليغهم الرسالة إلى الناس وسيجئ زيادة توضيح لهذا في اخر البيان، وأما التبشير والانذار أي الوعد برحمة الله من رضوانه والجنة لمن اتقى، والوعيد لعذاب الله سبحانه من سخطه والنار لمن كذب وعصى فهما أمس مراتب الدعوة بحال لغير ربهم من ثواب أو عقاب.
قوله تعالى: وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، الكتاب