جماعة كانت ذات مقصد واحد وبغية واحدة هي رابطة الوحدة بينها، وهو المصحح لاطلاقها على الواحد وعلى سائر معانيها إذا أطلقت.
وكيف كان فظاهر الآية يدل على أن هذا النوع قد مر عليهم في حياتهم زمان كانوا على الاتحاد والاتفاق، وعلى السذاجة والبساطة، لا اختلاف بينهم بالمشاجرة والمدافعة في أمور الحياة، ولا اختلاف في المذاهب والاراء، والدليل على نفي الاختلاف قوله تعالى: " فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، فقد رتب بعثة الأنبياء وحكم الكتاب في مورد الاختلاف على كونهم أمة واحدة فالاختلاف في أمور الحياة ناش بعد الاتحاد والوحدة، والدليل على نفي الاختلاف الثاني قوله تعالى: وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه بغيا بينهم فالاختلاف في الدين إنما نشأ من قبل حملة الكتاب بعد إنزاله بالبغي.
وهذا هو الذي يساعد عليه الاعتبار، فإنا نشاهد النوع الانساني لا يزال يرقى في العلم والفكر، ويتقدم في طريق المعرفة والثقافة، عاما بعد عام، وجيلا بعد جيل، وبذلك يستحكم أركان اجتماعه يوما بعد يوم، ويقوم على رفع دقائق الاحتياج، والمقاومة قبال مزاحمات الطبيعة، والاستفادة من مزايا الحياة، وكلما رجعنا في ذلك القهقرى وجدناه أقل عرفانا برموز الحياة، وأسرار الطبيعة، وينتهي بنا هذا السلوك إلى الانسان الأولي الذي لا يوجد عنده الا النزر القليل من المعرفة بشؤون الحياة وحدود العيش، كأنهم ليس عندهم الا البديهيات ويسير من النظريات الفكرية التي تهيئ لهم وسائل البقاء بأبسط ما يكون، كالتغذي بالنبات أو شئ من الصيد والايواء إلى الكهوف والدفاع بالحجارة والاخشاب ونحو ذلك، فهذا حال الانسان في أقدم عهوده، ومن المعلوم ان قوما حالهم هذا الحال لا يظهر فيهم الاختلاف ظهورا يعتد به، ولا يبدو فيهم الفساد بدوا مؤثرا، كالقطيع من الغنم لا هم لافراده الا الاهتداء لبعض ما اهتدى إليه بعض آخر، والتجمع في المسكن والمعلف والمشرب.
غير أن الانسان لوجود قريحة الاستخدام فيه كما أشرنا إليه فيما مر لا يحبسه هذا الاجتماع القهري من حيث التعاون على رفع البعض حوائج البعض عن الاختلاف والتغالب والتغلب، وهو كل يوم يزداد علما وقوة على طرق الاستفادة، ويتنبه بمزايا جديدة، ويتيقظ لطرق دقيقة في الانتفاع، وفيهم الأقوياء وأولوا السطوة وأرباب