التفسير الأصفى - الفيض الكاشاني - ج ١ - الصفحة ٢٩٢
فلما سمعوا ذلك من رسول الله، بكوا وآمنوا ورجعوا إلى النجاشي، وأخبروا خبر رسول الله، وقرأوا عليه ما قرأ عليهم، فبكى النجاشي، وبكى القسيسون وأسلم النجاشي، ولم يظهر للحبشة اسلامه، وخالفهم على نفسه، وخرج من بلاد الحبشة، يريد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما عبر البحر توفى. فأنزل الله على رسوله (لتجدن أشد الناس) إلى قوله (وذلك جزاء المحسنين) 1.
(والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم).
(يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا): لا تمنعوا أنفسكم (طيبات ماء أحل الله لكم):
ما طاب منه ولذ (ولا تعتدوا) عما حد الله (ان الله لا يحب المعتدين).
(وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا): مباحا لذيذا (واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون). قال: (نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وبلال وعثمان بن مظعون، فأما أمير المؤمنين فحلف أن لا ينام بالليل أبدا، وأما بلال فإنه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا، وأما عثمان بن مظعون فإنه حلف أن لا ينكح أبدا. فدخلت امرأة عثمان على عايشة، وكانت امرأة جميلة. فقالت عايشة: مالي أراك متعطلة؟ فقالت: ولمن أتزين؟ فوالله ما قربني زوجي منذ كذا وكذا، فإنه قد ترهب، ولبس المسوح 2، وزهد في الدنيا. فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرته عايشة بذلك. فخرج فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات؟
انى أنام بالليل، وأنكح، وأفطر بالنهار، فمن رغب عن سنتي فليس منى. فقام هؤلاء فقالوا: يا رسول الله، فقد حلفنا على ذلك، فأنزل الله: (لا يؤاخذكم الله) الآية) 3.
أقول: ليس في مثل هذا الخطاب والعتاب بأس على صاحبه، نظيره قوله سبحانه:

١ - القمي ١: ١٧٩.
٢ - المسوح جمع المسح: البلاس، وهو كساء معروف. مجمع البحرين ٢: ٤١٤ (مسح).
القمي 1: 179، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(٢٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 ... » »»
الفهرست