تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٣٨١
رمتني عن قوس العدو وباعدت * عبيدة زاد الله ما بيننا بعدا وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الزخرف عند قوله تعالى (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون) المعنى: إذ صح ظلمكم ولم يبق لكم ولا لأحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين وذلك يوم القيامة، وإذ بدل من اليوم، ونظيره: إذا ما انتسبنا الخ. إن قلت إلام يرجع الضمير في بها ولم يسبق له مرجع؟ قلت: هو من باب (اعدلوا هو أقرب للتقوى) وإنما أنث الضمير بالنسبة إلى الكينونة المتولدة من لم تلدني.
(تتمة) في فاعل لن ينفعكم في الآية وجهان: أحدهما أنكم وما عملت فيه، والثاني أنه ضمير التمني المدلول عليه بقوله: يا ليت بيني من معنى التباعد ويكون المعنى لأنكم. قال أبو البقاء: وأما إذا فمشكلة الأمر لأنها ظرف زمان ماض ولن ينفعكم وفاعله واليوم المذكور ليس بماض، فقال ابن جنى: راجعت أبا على فيها مرارا فآخر ما حصل منه أن الدنيا والأخرى متصلتان وهما سواء في حكم الله تعالى، وعليه فتكون إذ بدلا من اليوم حتى كأنها مستقبلة أو كأن اليوم ماض. وقال غيره: الكلام محمول على المعنى، والمعنى أن ثبوت ظلمهم عندهم يكون يوم القيامة، فكأنه قال: ولن ينفعكم اليوم إذ صح ظلمكم عندكم، فهو بدل أيضا. وقال آخرون التقدير بعد إذ ظلمتم فحذف المضاف للعلم به، وقيل إذ بمعنى أن أي لأن ظلمتم.
(فإن تدفنوا الداء لا نخفه * وإن تبعثوا الحرب لا نقعد) هو لامرئ القيس. في سورة طه عند قوله تعالى (إن الساعة آتية أكان أخفيها) وقرأ أبو الدرداء وسعيد بن جبير أخفيها بالفتح من خفاه إذا أظهره: أي قرب إظهارها كقوله (اقتربت الساعة) وقد جاء في بعض اللغات أخفاه بمعنى خفاه، وبه فسر بيت امرئ القيس: فإن تدفنوا الداء الخ. فأكاد أخفيها محتمل للمعنيين، والداء الدفين الذي لا يعلم به حتى يظهر ولا نخفه بفتح النون: أي لا نظهره. يقول: إن ترجعوا إلى الصلح لا نظهر العداوة والحرب التي كانت بيننا، وإن تبعثوا الحرب: أي إن تعودوا إلى الحرب نعد إليها، وقال آخر:
يخفى التراب بأظلاف ثمانية * في أربع مسهن الأرض تحليل أي رسوخ وهو بفتح الياء أي يظهر.
(هوى من رأس مرقبة * ففتت تحتها كبده) في سورة طه عند قوله تعالى (ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى) أي هلك، وأصله أن يسقط من جبل فيهلك، ويقولون هوت أمه، أي سقط سقوطا لا نهوض بعده، ومرقبة: ثانية مرتفعة يرقب عليها. يقول:
سقط من رأس جبل فصارت كبده تحت المرقبة متفرقة، سقط ابن لأعرابي من جبل فمات فرثاه أبوه بقوله:
هوى ابني من على شرف * يهول عقابه صعده هوى من رأس مرقبة * ففتت تحتها كبده ألام على تبكيه * وألمسه فلا أجده وكيف يلام محزون * كبير فاته ولده (أثوى وأقصر ليله ليزودا * فمضى وأخلف من قتيلة موعدا) في سورة طه عند قوله تعالى (وإن لك موعدا لن تخلفه) من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا، ومنه البيت
(٣٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 ... » »»
الفهرست