ومنها: أولاد جفنة حول قبر أبيهم * قبر ابن مارية الكريم المفضل بيض الوجوه كريمة أحسابهم * شم الأنوف من الطراز الأول والبيت شاهد عند قوله تعالى في سورة البقرة (يجعلون أصابعهم في آذانهم) حيث أرجع الضمير إلى أصحاب الصيب مع كونه محذوفا قائما مقام الصيب، لأن المحذوف باق معناه وإن سقط لفظه، وكذلك يصفق لأن المعنى ماء بردى. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الفرقان عند قوله تعالى (وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا) في قراءة الحسن والأعمش: وقمرا منيرا، وهو جمع ليلة قمراء كأنه قال: وذا قمر منير، لأن الليالي تكون قمرا بالقمر فأضافه إليها، ونظيره في بقاء حكم المضاف بعد سقوطه وقيام المضاف إليه مقامه قول حسان:
بردي يصفق بالرحيق السلسل * يريد ماء بردي، ولا يبعد أن يكون القمر بمعنى القمر كالرشد والرشد والعرب والعرب، وقال يصفق بالتذكير باعتبار الماء، ويصفق يمزج.
(ألا أنعم صباحا أيها الطلل البالي * وهل ينعمن من كان في العصر الخالي) وهل ينعمن إلا سعيد مخلد * قليل الهموم ما يبيت بأوجال) هذا مطلع قصيدة امرئ القيس اللامية المشهورة، وسيأتي ذكر غالب أبياتها في سورة الأعراف حيث اقتضى الحال ذكرها هناك. والبيت شاهد على قوله تعالى في سورة البقرة (وهم فيها خالدون) من حيث إن الخلد هو الثبات الدائم والبقاء اللازم، والعصر والعصر واحد قال الشاعر:
على العصر الخالي كأن رسومها * بتنهية الركنين وشي مرجع حيا الطلل البالي من ديار المحبوبة بالنعم والطيب، ثم قال: وكيف ينعم من كان في زمن الفراق والخلو من الأهل والأحباب، وهل ينعمن إلا من يكون سعيدا مخلدا، وهذا الخلد لا يكون إلا لأهل الجنة في الآخرة، جعلنا الله منهم، وإنما خص الصباح بهذا الدعاء لأن الغارات والمكاره تقع صباحا قال:
ألا أنعم صباحا أيها الريح وأنطق * وحدث حديث الحي إن شئت واصدق وأنعم صباحا: كلمة تحية من نعم عيشه طاب، ويخفف فيقال عم صباحا:
(من مبلغ أفناء يعرب كلها * أني بنيت الجار قبل المنزل) هو لأبي تمام. في سورة البقرة عند قوله تعالى (إن الله لا يستحيى أن يضرب مثلا) وإطباق الجواب على السؤال فن من كلامهم بديع وطرز غريب. شهد رجل عند شريح فقال: إنك لسبط الشهادة؟ فقال الرجل:
إنها لم تجعد عني، فقال: لله بلادك، وقيل شهادته. فالذي سوغ بناء الجار وتجعيد الشهادة مراعاة المشاكلة.
وفي الحديث " الجار ثم الدار، والرفيق ثم الطريق ": أي إن الله لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيى أن يمثل بها لحقارتها. قال الزمخشري: ويجوز أن تقع هذه العبارة في كلام الكفرة فقالوا: أما يستحيى رب محمد أن يضرب مثلا بالذباب والعنكبوت؟ فجاءت على سبيل المطابقة، وإطباق الجواب على السؤال من بديع كلامهم كما مر آنفا ومنه (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة) وقوله: * قلت اطبخوا لي جبة وقميصا * إلا أن هذا من باب المشاكلة المحضة، وفي قول شريح شائبة الاستعارة، وقول شريح: إنك لسبط الشهادة: أي ترسلها إرسالا من غير تأمل وروية كالشعر السبط المسترسل، فأجاب بأنها لم تنقبض عني، بل أنا واثق من نفسي