تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٤٢
أوفى، ثم أتى عليه زمان تناسيا، ثم أصيب بعده بأخ آخر يقال له غيلان، فقال: إن الجزع بأوفى لم يزله ما يعقبه من المصيبات ولكنه زاد اشتدادا، ثم شبهه بالقرح وهو الجرح وقد صلب ويبس إذا نكئ ثانيا: أي أدمى وقشرت جلبته: أي كما أن القرح إذا فعل به ذلك كان إيجاعه أشد، وأبلغ، وبعد البيت:
تعزيت عن أوفى بغيلان بعده * عزاء وجفن العين ملآن مترع (فما فتئت خيل تثوب وتدعى * ويلحق منها لاحق وتقطع) في سورة يوسف عند قوله تعالى (تفتؤ تذكر يوسف) الفت ء والفتوء أخوان، يقال ما فتئ يفعل كذا، قال أوس: فما فتئت خيل الخ، والأصل في التثويب أن الرجل إذا استصرخ لوح بثوبه، وكان ذلك كالدعاء والإنذار والتداعي في الحرب: أن يدعو القوم بعضهم بعضا، والادعاء في الحرب: أن يقول يا آل فلان. يقول:
ما زالت الخيل تستصرخ ويدعو بعضهم بعضا من المنهزمين والمنقطعين ويلحق منها في الحرب اللاحقون والمنقطعون كأنه صور الحرب من أولها إلى آخرها وزعم أنهم الكائدون أولا والأكثرون بمدد لاحقهم ثانيا والمنفردون بالغنيمة وحيازة المقصود ثالثا.
(وتجلدي للشامتين أريهم) * أني لريب الدهر لا أتضعضع في سورة الرعد عند قوله تعالى (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية) كان الصبر مطلقا فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال ومشاق التكاليف ابتغاء وجه الله تعالى، لا ليقال ما أصبره وما أحمله للنوازل وأوفره عند الزلازل، ولا لئلا يعاب بالجزع، ولا لئلا يشمت به الأعداء كقوله وتجلدي الخ، ولا لأنه لا طائل تحت الهلع ولا رد فيه للفائت، كقوله:
ما إن جزعت ولا هلعت * ولا يرد بكاي زيدا الضعضعة: الخضوع، يقول: هذا التجلد الذي أريه به من نفسي لدفع شماتة الشامتين أريهم أني لا أتخضع لريب الزمان وصروفه، والبيت لأبي ذوئب خويلد بن خالد المخزومي مات في زمن عثمان رضي الله عنه في طريق مصر من قصيدته المشهورة التي أولها:
أمن المنون وريبه نتوجع * والدهر ليس بمعتب من يجزع قالت أميمة ما لجسمك شاحبا * منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع أم ما لجنبك لا يلائم مضجعا * إلا أقض عليك ذاك المضجع فأجبتها أما لجسمي إنه * أودى بني من البلاد فودعوا سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم * فتخرموا ولكل جنب مصرع فغبرت بعدهم بعيش ناصب * وإخال أني لاحق مستتبع ولقد حرصت بأن أدافع عنهم * وإذا المنية أقبلت لا تدفع وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع وتجلدي للشامتين أريهم * أني لريب الدهر لا أتضعضع
(٤٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 437 438 439 440 441 442 443 444 445 446 447 ... » »»
الفهرست