في سورة البقرة عند قوله تعالى (عذاب أليم) على طريق قولهم: جد جده: والألم في الحقيقة للمؤلم كما أن الجد للجاد، وأصل التحية أن يدعى للرجل بالحياة. وضرب وجيع: أي موجع: أي رب جيش قد مشيت إليه بجيش. وتحية بينهم: الضرب بالسيف لا القول باللسان، والعرب تقول: تحيتك الضرب وعقابك السيف: أي بدلا لك من التحية، ومن ذلك قوله:
صبحنا الخزرجية مرهفات * أباد ذوي أرومتها ذووها وقول الآخر:
نقربهم لهزميات نقد بها * ما كان خاط عليهم كل زراد وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الكهف عند قوله تعالى (وإن يستغيثوا يغاثوا) الآية، وفي سورة مريم عند قوله تعالى (والباقيات الصالحات خير) وفي سورة الشعراء عند قوله تعالى (إلا من أتى الله بقلب سليم) أي ولا تخزني يوم يبعث الضالون وأبي فيهم، وهذا من قولهم: تحية بينهم الخ وما ثوابه إلا السيف، وفي سورة الجاثية عند قوله تعالى (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم) سميت حجة على ضرب من التهكم، أو لأنه في حسبانهم وتقديرهم حجة أو لأنه في أسلوب: تحية بينهم ضرب وجيع، كأنه قيل: ما كان حجتهم إلا ما ليس بحجة، والمراد نفي أن تكون لهم حجة البتة:
(أصم عما ساءه سميع) في سورة البقرة عند قوله تعالى (صم بكم عمي) معناه: هو أصم عما لا يليق به، معرض عما ساءه، سميع لحاسده مصغ إليه، ومن هذا الباب قوله:
أصم عن الشئ الذي لا أريده * وأسمع خلق الله حين أريد وكما قيل: * أذن الكريم عن الفحشاء صماء * ومنه: * صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا وقوله: فأصممت عمرا وأعميته * على الجود والفخر يوم الفخار (ولو شئت أن أبكي دما لبكيته * عليه ولكن ساحة الصبر أوسع) البيت لإسحاق بن حسان الخزيمي من قصيدة يرثى بها أبا الهيذام عامر بن عمار أمير الشأم. في سورة البقرة عند قوله تعالى (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) حيث حذف مفعول شاء لدلالة الجواب عليه، والمعنى: ولو شاء أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها، ولقد تكاثر هذا الحذف في شاء وأراد ولا يكادون يبرزون المفعول إلا في الشئ المستغرب، والقصيدة طويلة بديعة، وأولها:
قضى وطرا منك الحبيب المودع * وحل الذي لا يستطاع فيدفع ومنها: وإني وإن أظهرت في جلادة * وصانعت أعدائي عليه لموجع ملكت دموع العين حتى رددتها * إلى ناظري والعين كالقلب تدمع وبعده البيت. والخزيمي المذكور يكنى بأبي يعقوب كان متصلا بمحمد بن زياد كاتب سر البرامكة وله فيه مدائح