في سورة الأنبياء عند قوله تعالى (وعلمناه صنعة لبوس) عمل الدروع وهو في الأصل اللباس، والمراد هنا البس لكل حالة ما يصلح لها، وليس المراد لبس الثياب: يعني اعدد لكل زمان ما يشاكله ويلائمه. قيل كانت صفائح، فأول من سردها وحلقها داود فجمعت الخفة والتحصين، والجمهور على فتح اللام، وروى لبوسها بضمها، وحينئذ إما أن يكون جمع لبس المصدر الواقع موقع المفعول، وإما أن يكون واقعا موقعه والأول أقرب:
(الواردون وتيم في ذرى سبأ * قد عض أعناقهم جلد الجواميس) في سورة النمل عند قوله تعالى (وجئتك من سبأ بنبأ يقين) عند من يصرفه حيث جعله بمعنى الحي أو الأب الأكبر. والذروة: أعلى السنام، وأعلى كل شئ: ذروته حتى الحسب، والجمع ذرى، ومعناه: الواردون هم وتيم في ذرى أرض سبأ مغلولين بأغلال من جلد الجواميس بحيث يعض أعناقهم. وأما من لم يصرفه فيجعله اسم القبيلة كقوله:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ * يبنون من دون سيله العرما وسيأتي شرح هذا البيت في حرف الميم. وهذا الخلاف جار بعينه في سورة سبأ، وسبأ في الأصل: اسم رجل من قحطان واسمه عبد شمس، وسبأ لقب له، وإنما لقب به لأنه من سبأ، وولد له عشرة أولاد، تيامن ستة:
أي سكنوا اليمن وهم حمير وكندة والأزد وأشعر وقشعم وبجيلة، وتشاءم أربعة وهم لخم وجذام وعاملة وغسان.
(اضرب عنك الهموم طارقها * ضربك بالسيف قونس الفرس) في سورة ص عند قوله تعالى (وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض) على تقدير القراءة بفتح الياء، ووجه بأن الأصل ليبغين بنون التوكيد الخفيفة، والفعل جواب قسم مقدر تقديره: وإن كثيرا من الخلطاء والله ليبغين، فحذف كما حذف في قوله * اضرب عنك الهموم طارقها * قوله اضرب على تقدير النون الخفيفة وحذفها: أي اضربن. وطارقها بدل من الهموم بدل البعض من الكل. والقونس: موضع ناصية الفرس.
يقول: ادفع طوارق الهموم عن نفسك واضربها عند غشيانها كما تضرب قونس الفرس عند السوق. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الزخرف عند قوله تعالى (أفنضرب عنكم الذكر صفحا) بمعنى أننحى عنكم الذكر وندرؤه عنكم على سبيل المجاز من قولهم ضرب الغرائب عن الحوض، وقال طرفة: اضرب عنك الهموم الخ:
أراد اضربن، فحذف النون الخفيفة وحرك الباء بالنصب. والقونس: عظم ناتئ بين أذني الفرس، والقونس أيضا: أعلى البيضة، وقيل الشعر بالعنق.
(وما يبكون مثل أخي ولكن * أعزى النفس عنه بالتأسي) في سورة الزخرف عند قوله تعالى (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون) وقبله:
يذكرني طلوع الشمس صخرا * وأذكره بكل غروب شمس ولولا كثرة الباكين حولي * على إخوانهم لقتلت نفسي يعني إذا رأى السوي. وهو المبتلى بشدة ومن مني بذلك روحه ذلك ونفس بعض كربه، وهو التأسي الذي ذكرته الخنساء.
(يضئ كضوء سراج السليط * لم يجعل الله فيه نحاسا)