نقد باب خلق الله الفردوس بيده وروى حديث أنس بن مالك: أن النبي (ص) قال: (إن الله عز وجل خلق الفردوس بيده، وحظرها على كل مشرك، ومدمن خمر سكير) (44).
هذا غلو في الإثبات بدون تعقل، فهذا الحديث ومثله، كحديث (إن الله خلق جنة عدن بيده) (45)، وحديث (خلق الله آدم بيده) (45)، وقوله تعالى:
(يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي)، هذه كلها، لا تثبت اليد صفة لله، بل هي تدل على العناية والتخصيص، فإن الله كنى عن عنايته بالفردوس بأنه خلقها بيده، وكذلك جنة عدن، وبين عنايته بآدم، وتخصيصه بالعلم والخلافة في الأرض، بأنه خلقه بيديه، ردا على إبليس الذي امتنع من السجود لآدم عليه السلام، وليس كل ما يذكر في الآيات والأحاديث، على وقول العلماء: (المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم) وقول الله تعالى:
(إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)، فهل للعذاب يد حقيقة كما يتوهم الهروي وأمثاله؟!
(44) لم أقف عليه.
(45) هاتان العبارتان في حديث واحد رواه البيهقي في الأسماء والصفات ص (318) بتحقيق الإمام الكوثري بلفظ: (إن الله عز وجل خلق ثلاثة أشياء بيده، خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس الفردوس بيده، ثم قال: وعزتي لا يسكنها مدمن خمر ولا ديوث فقالوا يا رسول الله قد عرفنا مدمن الخمر فما الديوث؟ قال: الذي ييسر لأهله السوء) قال البيهقي: وهذا مرسل - قلت: ومنكر - وفيه ان ثبت دلالة على أن الكتب ههنا بمعنى الخلق، وإنما أراد خلق رسوم التوراة، وهي حروفها، واما المكتوب فهو كلام الله عز وجل، صفة من صفات ذاته، غير بائن منه. اه أي غير منفصل عنه. وأما حكمنا عليه بأنه منكر فلأنه حصر هذه الثلاثة بأنها مخلوقة بيد الله مع أن الله تعالى قال: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما).
والحديث مذكور أيضا في كتاب الصفات المنسوب للدارقطني الذي لم يثبت أنه من تصنيف الدارقطني لأن في سنده كذبان وضاعان العشاري وابن كادش الحنبليان وقد علق الدكتور الفقيهي على الحديث ص (45) فقال: رواه البيهقي في الأسماء والصفات ص 318. ولم يذكر الفقيهي أنه مرسل سترا على الحديث وتدليسا فتأمل *.