شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ٧٧
(441) الأصل:
وقال عليه السلام:
إن أولياء الله هم الذين نظروا إلى باطن الدنيا إذا نظر الناس إلى ظاهرها، واشتغلوا بآجلها إذا اشتغل الناس بعاجلها، فأماتوا منها ما خشوا ان يميتهم وتركوا منها ما علموا إنه سيتركهم، ورأوا استكثار غيرهم منها استقلالا، ودركهم لها فواتا، أعداء لما سالم الناس، وسلم لمن عادى الناس، بهم علم الكتاب، وبه علموا، وبهم قام كتاب الله تعالى، وبه قاموا، لا يرون مرجوا فوق ما يرجون، ولا مخوفا فوق ما يخافون.
الشرح:
هذا يصلح أن تجعله الامامية شرح حال الأئمة المعصومين على مذاهبهم، لقوله:
فوق ما يرجون، بهم علم الكتاب، وبه علموا، وأما نحن فنجعله شرح حال العلماء العارفين وهم أولياء الله الذين ذكرهم عليه السلام لما نظر الناس إلى ظاهر الدنيا وزخرفها من المناكح والملابس والشهوات الحسية، نظروا هم إلى باطن الدنيا، فاشتغلوا بالعلوم والمعارف والعبادة والزهد في الملاذ الجسمانية، فأماتوا من شهواتهم وقواهم المذمومة كقوة الغضب وقوة الحسد ما خافوا أن يميتهم، وتركوا من الدنيا اقتناء الأموال لعلمهم إنها ستتركهم، وإنه لا يمكن دوام الصحبة معها، فكان استكثار الناس من تلك الصفات استقلالا عندهم، وبلوغ الناس لها فوتا أيضا عندهم، فهم خصم لما سالمه الناس
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»
الفهرست