شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ٥١
(422) الأصل:
وقال عليه السلام في صفة الدنيا:
الدنيا تغر وتضر وتمر، إن الله سبحانه لم يرضها ثوابا لأوليائه، ولا عقابا لأعدائه.
الشرح:
قد تقدم لنا كلام طويل في ذم الدنيا.
ومن الكلام المستحسن قوله: (تغر وتضر وتمر) والكلمة الثانية أحسن وأجمل.
وقرأت في بعض الآثار إن عيسى عليه السلام مر بقرية وإذا أهلها موتى في الطرق والأفنية، فقال للتلامذة: إن هؤلاء ماتوا عن سخطة، ولو ماتوا عن غير ذلك لتدافنوا، فقالوا: يا سيدنا، وددنا إنا علمنا خبرهم، فسأل الله تعالى، فقال له: إذا كان الليل فنادهم يجيبوك، فلما كان الليل أشرف على نشز ثم ناداهم، فأجابه مجيب، فقال:
ما حالكم، وما قصتكم؟ فقال: بتنا في عافية، وأصبحنا في الهاوية، قال: وكيف ذلك؟ قال: لحبنا الدنيا، قال: كيف كان حبكم لها؟ قال: حب الصبي لامه، إذا أقبلت فرح بها، وإذا أدبرت حزن عليها وبكى، قال: فما بال أصحابك لم يجيبوني؟
قال: لأنهم ملجمون بلجم من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد، قال: فكيف أجبتني أنت من بينهم؟ قال: لأني كنت فيهم، ولم أكن منهم، فلما نزل بهم العذاب أصابني معهم، فأنا معلق على شفير جهنم لا أدرى أنجو منها أكبكب فيها؟ فقال المسيح لتلامذته: لاكل خبز الشعير بالملح الجريش ولبس المسوح والنوم على المزابل وسباخ الأرض في حر الصيف، كثير مع العافية من عذاب الآخرة.
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»
الفهرست