وقال آخر:
كريم يغض الطرف فضل حيائه * ويدنو وأطراف الرماح دوان.
ومتى قصد به الانقباض فهو مدح للصبيان دون المشايخ، ومتى قصد به ترك القبيح فهو مدح لكل أحد، وبالاعتبار الأول قيل الحياء بالأفاضل قبيح، وبالاعتبار الثاني ورد أن الله ليستحي من ذي شيبة في الاسلام أن يعذبه، أي يترك تعذيبه ويستقبح لكرمه ذلك.
فأما الخجل فحيرة تلحق النفس لفرط الحياء، ويحمد في النساء والصبيان ويذم بالاتفاق في الرجال.
فأما القحة فمذمومة بكل لسان، إذ هي انسلاخ من الانسانية، وحقيقتها لجاج النفس في تعاطى القبيح، واشتقاقها من حافر وقاح أي صلب ولهذه المناسبة قال الشاعر:
يا ليت لي من جلد وجهك رقعة * فأعد منها حافرا للأشهب.
وما أصدق قول الشاعر صلابة الوجه لم تغلب على أحد * إلا تكامل فيه الشر واجتمعا.
فأما كيف يكتسب الحياء، فمن حق الانسان إذا هم بقبيح أن يتصور أجل من نفسه إنه يراه، فإن الانسان يستحيى ممن يكبر في نفسه أن يطلع على عيبه ولذلك لا يستحيى من الحيوان غير الناطق، ولا من الأطفال الذين لا يميزون، ويستحيى من العالم أكثر مما يستحيى من الجاهل ومن الجماعة أكثر مما يستحيى من الواحد، والذين يستحيى الانسان منهم ثلاثة البشر، ونفسه، والله تعالى، أما البشر فهم أكثر