ثم عاد إلى وصف الدنيا وطالبها فقال: إن قيل: أثرى قيل: أكدى، وفاعل (أثرى) هو الضمير العائد إلى من استشعر الشغف بها. يقول بينا يقال: أثرى، قيل: افتقر، لأن هذه صفة الدنيا في تقلبها بأهلها، وإن فرح له بالحياة ودوامها، قيل:
مات وعدم، هذا ولم يأتهم يوم القيامة يوم هم فيه مبلسون، أبلس الرجل يبلس إبلاسا أي قنط ويئس، واللفظ من لفظات الكتاب العزيز (1).
[نبذ من الأقوال الحكيمة في وصف حال الدنيا وصروفها] وقد ذكرنا من حال الدنيا وصروفها وغدرها بأهلها فيما تقدم أبوابا كثيرة نافعة.
ونحن نذكر هاهنا زيادة على ذلك..
فمن كلام بعض الحكماء: ويل لصاحب الدنيا، كيف يموت ويتركها، وتغره ويأمنها وتخذله ويثق بها! ويل للمغترين، كيف أرتهم ما يكرهون، وفاتهم ما يحبون، وجاءهم ما يوعدون! ويل لمن الدنيا همه، والخطايا عمله، كيف يفتضح غدا بذنبه.
وروى أنس قال: كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله العضباء لا تسبق، فجاء أعرابي بناقة له فسبقها، فشق ذلك على المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
(حق على الله الا يرفع في الدنيا شيئا إلا وضعه).
وقال بعض الحكماء: من ذا الذي يبنى على موج البحر دارا! تلكم الدنيا، فلا تتخذوها قرارا.