من يستحيى منه الانسان في غالب الناس، ثم نفسه، ثم خالقه، وذلك لقلة توفيقه وسوء اختياره.
واعلم أن من استحيا من الناس ولم يستحيى من نفسه فنفسه عنده أخس من غيره، ومن استحيا منهما ولم يستحى من الله تعالى فليس عارفا، لأنه لو كان عارفا بالله لما استحيا من المخلوق دون الخالق، ألا ترى أن الانسان لا بد أن يستحيى من الذي يعظمه ويعلم أنه يراه أو يستمع بخبره فيبكته، ومن لا يعرف الله تعالى كيف يستعظمه!
وكيف يعلم إنه يطلع عليه! وفي قول رسول الله صلى الله عليه وآله (استحيوا من الله حق الحياء)، أمر في ضمن كلامه هذا بمعرفته سبحانه وحث عليها، وقال سبحانه:
﴿ألم يعلم بأن الله﴾ (1)، يرى تنبيها على أن العبد إذا علم أن ربه يراه استحيا من ارتكاب الذنب.
وسئل الجنيد رحمه الله عما يتولد منه الحياء من الله تعالى، فقال: أن يرى العبد آلاء الله سبحانه ونعمه عليه، ويرى تقصيره في شكره.
فإن قال قائل: فما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله (من لا حياء له فلا إيمان له).
قيل له: لان الحياء أول ما يظهر من إمارة العقل في الانسان، وأما الايمان فهو آخر المراتب، ومحال حصول المرتبة الآخرة لمن لم تحصل له المرتبة الأولى، فالواجب إذن أن من لا حياء له فلا إيمان له.
وقال عليه السلام: (الحياء شعبة من الايمان).
وقال: (الايمان عريان، ولباسه التقوى، وزينته الحياء).