ما ينكره عليه أيضا، فإنه لا يجب عليه الانكار، بل ولا يحسن منه لأنه مفسدة.
وإن غلب على ظنه أنه لا يفعل ما أنكره عليه ولكنه يضر به، نظر فإن كان إضراره به أعظم قبحا مما يتركه إذا أنكر عليه، فإنه لا يحسن الانكار عليه، لان الانكار عليه قد صار والحالة هذه مفسدة، نحو أن ينكر الانسان على غيره شرب الخمر، فيترك شربها ويقتله. وإن كان ما يتركه إذا أنكر عليه أعظم قبحا مما ينزل به من المضرة، نحو أن يهم بالكفر، فإذا أنكر عليه تركه وجرح المنكر عليه أو قتله فإنه لا يجب عليه الانكار، ويحسن منه الانكار، أما قولنا: لا يجب عليه الانكار، فلان الله تعالى قد أباحنا التكلم بكلمة الكفر عند الاكراه، فبأن يبيحنا ترك غيرنا أن يتلفظ بذلك عند الخوف على النفس أولى، وأما قولنا، إنه يحسن الانكار، فلان في الانكار مع الظن لما ينزل بالنفس من المضرة اعزازا للدين، كما أن في الامتناع من إظهار كلمة الكفر مع الصبر على قتل النفس إعزازا للدين، لا فضل بينهما.
فأما كيفية إنكار المنكر فهو أن يبتدئ بالسهل، فإن نفع وألا ترقى إلى الصعب، لان الغرض ألا يقع المنكر، فإذا أمكن ألا يقع بالسهل فلا معنى لتكلف الصعب، ولأنه تعالى أمر بالاصلاح قبل القتال في قوله: (فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى (١).
فأما الناهي عن المنكر من هو؟ فهو كل مسلم تمكن منه واختص بشرائطه، لان الله تعالى قال: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ (2)، ولاجماع المسلمين على أن كل من شاهد غيره تاركا للصلاة غير محافظ عليها فله أن يأمره بها، بل يجب عليه، إلا إن الامام وخلفاءه أولى بالانكار بالقتال، لأنه أعرف بسياسة الحرب وأشد استعدادا لآلاتها. *