شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٩ - الصفحة ٣١٠
ما ينكره عليه أيضا، فإنه لا يجب عليه الانكار، بل ولا يحسن منه لأنه مفسدة.
وإن غلب على ظنه أنه لا يفعل ما أنكره عليه ولكنه يضر به، نظر فإن كان إضراره به أعظم قبحا مما يتركه إذا أنكر عليه، فإنه لا يحسن الانكار عليه، لان الانكار عليه قد صار والحالة هذه مفسدة، نحو أن ينكر الانسان على غيره شرب الخمر، فيترك شربها ويقتله. وإن كان ما يتركه إذا أنكر عليه أعظم قبحا مما ينزل به من المضرة، نحو أن يهم بالكفر، فإذا أنكر عليه تركه وجرح المنكر عليه أو قتله فإنه لا يجب عليه الانكار، ويحسن منه الانكار، أما قولنا: لا يجب عليه الانكار، فلان الله تعالى قد أباحنا التكلم بكلمة الكفر عند الاكراه، فبأن يبيحنا ترك غيرنا أن يتلفظ بذلك عند الخوف على النفس أولى، وأما قولنا، إنه يحسن الانكار، فلان في الانكار مع الظن لما ينزل بالنفس من المضرة اعزازا للدين، كما أن في الامتناع من إظهار كلمة الكفر مع الصبر على قتل النفس إعزازا للدين، لا فضل بينهما.
فأما كيفية إنكار المنكر فهو أن يبتدئ بالسهل، فإن نفع وألا ترقى إلى الصعب، لان الغرض ألا يقع المنكر، فإذا أمكن ألا يقع بالسهل فلا معنى لتكلف الصعب، ولأنه تعالى أمر بالاصلاح قبل القتال في قوله: (فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى (١).
فأما الناهي عن المنكر من هو؟ فهو كل مسلم تمكن منه واختص بشرائطه، لان الله تعالى قال: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ (2)، ولاجماع المسلمين على أن كل من شاهد غيره تاركا للصلاة غير محافظ عليها فله أن يأمره بها، بل يجب عليه، إلا إن الامام وخلفاءه أولى بالانكار بالقتال، لأنه أعرف بسياسة الحرب وأشد استعدادا لآلاتها. *

(٣١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تابع ما ورد من حكمه عليه السلام ومختار أجوبة مسائله، وكلامه 7
2 فصل في الحياء وما قيل فيه 45
3 مثل من شجاعة علي عليه السلام 60
4 قصة غزوة الخندق 62
5 ما جرى بين يحيى بن عبد الله وعبد الله بن مصعب عند الرشيد 91
6 من كلامه عليه السلام لكميل بن زياد النخعي وشرح ذلك 99
7 نبذ من غريب كلام الإمام علي وشرحه لابن عبيد 116
8 نبذ من غريب كلام الإمام علي وشرحه لابن قتيبة 124
9 خطبة منسوبة للإمام علي خالية من حرف الألف 140
10 من كلامه عليه السلام في وصف صديق وشرح ذلك 183
11 نبذ من الأقوال الحكيمة في حمد القناعة وقلة الأكل 184
12 نبذ من الأقوال الحكيمة في الفقر والغنى 227
13 نبذ من الأقوال الحكيمة في الوعد والمطل 248
14 نبذ من الأقوال الحكيمة في وصف حال الدنيا وصروفها 287
15 أقوال مأثورة في الجود والبخل 316
16 نبذ مما قيل في حال الدنيا وهوانها واغترار الناس بها 326
17 مما ورد في الطيب من الآثار 341
18 نبذ مما قيل في التيه والفخر 352
19 طرائف حول الأسماء والكنى 365
20 أقوال في العين والسحر والعدوي والطيرة والفأل 372
21 نكت في مذاهب العرب وتخيلاتها 383