وهذا الكلام ينبغي أن يحمل على إنه حث وحض وتحريض على النهى عن المنكر والامر بالمعروف، ولا يحمل على ظاهره، لان الانسان لا يجوز أن يلقى بنفسه إلى التهلكة، معتمدا على أن الاجل مقدر، وإن الرزق مقسوم، وإن الانسان متى غلب على ظنه أن الظالم يقتله ويقيم على ذلك المنكر، ويضيف إليه منكرا آخر لم يجز له الانكار.
فأما كلمة العدل عند الامام الجائر فنحو ما روى أن زيد بن أرقم رأى عبيد الله بن زياد - ويقال بل يزيد بن معاوية - يضرب بقضيب في يده ثنايا الحسين عليه السلام حين حمل إليه رأسه، فقال له: أيها! ارفع يدك فطالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يقبلها!
[فصل في الامر بالمعروف والنهى عن المنكر] ونحن نذكر خلاصة ما يقوله أصحابنا في النهى عن المنكر، ونترك الاستقصاء فيه للكتب الكلامية التي هي أولى ببسط القول فيها من هذا الكتاب.
قال أصحابنا: الكلام في ذلك يقع من وجوه: منها وجوبه، ومنها طريق وجوبه، ومنها كيفية وجوبه، ومنها شروط حسنة، ومنها شروط وجوبه، ومنها كيفية إيقاعه، ومنها الكلام في الناهي عن المنكر، ومنها الكلام في النهى عن المنكر.
أما وجوبه، فلا ريب فيه، لان المنكر قبيح كله، والقبيح يجب تركه، فيجب النهى عنه.
وأما طريق وجوبه فقد قال الشيخ أبو بني هاشم رحمه الله: إنه لا طريق إلى وجوبه إلا السمع، وقد أجمع المسلمون على ذلك، وورد به نص القرآن في غير موضع.