شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٩ - الصفحة ٣١١
فأما المنهي من هو؟ فهو كل مكلف اختص بما ذكرناه من الشروط، وغير المكلف إذا هم بالاضرار لغيره يمنع منه، ويمنع الصبيان وينهون عن شرب الخمر حتى لا يتعودوه، كما يؤاخذون بالصلاة حتى يمرنوا عليها، وهذا ما ذكره أصحابنا.
فأما قوله عليه السلام: (ومنهم المنكر بلسانه وقلبه، والتارك بيده، فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير، ومضيع خصله)، فإنه يعنى به من يعجز عن الانكار باليد لمانع، لأنه لم يخرج هذا الكلام مخرج الذم، ولو كان لم يعن العاجز لوجب أن يخرج الكلام مخرج الذم، لأنه ليس بمعذور في أن ينكر بقلبه ولسانه إذا أخل بالانكار باليد مع القدرة على ذلك، وارتفاع الموانع.
وأما قوله: (ضيع أشرف الخصلتين) فاللام زائدة، وأصله (ضيع أشرف خصلتين من الثلاث)، لأنه لا وجه لتعريف المعهود هاهنا في الخصلتين، بل تعريف الثلاث باللام أولى، ويجوز حذفها من الثلاث، ولكن إثباتها أحسن، كما تقول: قتلت أشرف رجلين من الرجال الثلاثة.
وأما قوله: (فذلك ميت الاحياء)، فهو نهاية ما يكون من الذم.
واعلم أن النهى عن المنكر، والامر بالمعروف عند أصحابنا أصل عظيم من أصول الدين: وإليه تذهب الخوارج الذين خرجوا على السلطان، متمسكين بالدين وشعار الاسلام، مجتهدين في العبادة، لأنهم إنما خرجوا لما غلب على ظنونهم، أو علموا جور الولاة وظلمهم، وإن أحكام الشريعة قد غيرت، وحكم بما لم يحكم به الله، وعلى هذا الأصل تبنى الإسماعيلية من الشيعة قتل ولاة الجور غيلة، وعليه بناء أصحاب الزهد في الدنيا الانكار على الامراء والخلفاء، ومواجهتهم بالكلام الغليظ لما عجزوا عن الانكار باليد، وبالجملة فهو أصل شريف أشرف من جميع أبواب البر والعبادة، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.
(٣١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تابع ما ورد من حكمه عليه السلام ومختار أجوبة مسائله، وكلامه 7
2 فصل في الحياء وما قيل فيه 45
3 مثل من شجاعة علي عليه السلام 60
4 قصة غزوة الخندق 62
5 ما جرى بين يحيى بن عبد الله وعبد الله بن مصعب عند الرشيد 91
6 من كلامه عليه السلام لكميل بن زياد النخعي وشرح ذلك 99
7 نبذ من غريب كلام الإمام علي وشرحه لابن عبيد 116
8 نبذ من غريب كلام الإمام علي وشرحه لابن قتيبة 124
9 خطبة منسوبة للإمام علي خالية من حرف الألف 140
10 من كلامه عليه السلام في وصف صديق وشرح ذلك 183
11 نبذ من الأقوال الحكيمة في حمد القناعة وقلة الأكل 184
12 نبذ من الأقوال الحكيمة في الفقر والغنى 227
13 نبذ من الأقوال الحكيمة في الوعد والمطل 248
14 نبذ من الأقوال الحكيمة في وصف حال الدنيا وصروفها 287
15 أقوال مأثورة في الجود والبخل 316
16 نبذ مما قيل في حال الدنيا وهوانها واغترار الناس بها 326
17 مما ورد في الطيب من الآثار 341
18 نبذ مما قيل في التيه والفخر 352
19 طرائف حول الأسماء والكنى 365
20 أقوال في العين والسحر والعدوي والطيرة والفأل 372
21 نكت في مذاهب العرب وتخيلاتها 383