فأما المنهي من هو؟ فهو كل مكلف اختص بما ذكرناه من الشروط، وغير المكلف إذا هم بالاضرار لغيره يمنع منه، ويمنع الصبيان وينهون عن شرب الخمر حتى لا يتعودوه، كما يؤاخذون بالصلاة حتى يمرنوا عليها، وهذا ما ذكره أصحابنا.
فأما قوله عليه السلام: (ومنهم المنكر بلسانه وقلبه، والتارك بيده، فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير، ومضيع خصله)، فإنه يعنى به من يعجز عن الانكار باليد لمانع، لأنه لم يخرج هذا الكلام مخرج الذم، ولو كان لم يعن العاجز لوجب أن يخرج الكلام مخرج الذم، لأنه ليس بمعذور في أن ينكر بقلبه ولسانه إذا أخل بالانكار باليد مع القدرة على ذلك، وارتفاع الموانع.
وأما قوله: (ضيع أشرف الخصلتين) فاللام زائدة، وأصله (ضيع أشرف خصلتين من الثلاث)، لأنه لا وجه لتعريف المعهود هاهنا في الخصلتين، بل تعريف الثلاث باللام أولى، ويجوز حذفها من الثلاث، ولكن إثباتها أحسن، كما تقول: قتلت أشرف رجلين من الرجال الثلاثة.
وأما قوله: (فذلك ميت الاحياء)، فهو نهاية ما يكون من الذم.
واعلم أن النهى عن المنكر، والامر بالمعروف عند أصحابنا أصل عظيم من أصول الدين: وإليه تذهب الخوارج الذين خرجوا على السلطان، متمسكين بالدين وشعار الاسلام، مجتهدين في العبادة، لأنهم إنما خرجوا لما غلب على ظنونهم، أو علموا جور الولاة وظلمهم، وإن أحكام الشريعة قد غيرت، وحكم بما لم يحكم به الله، وعلى هذا الأصل تبنى الإسماعيلية من الشيعة قتل ولاة الجور غيلة، وعليه بناء أصحاب الزهد في الدنيا الانكار على الامراء والخلفاء، ومواجهتهم بالكلام الغليظ لما عجزوا عن الانكار باليد، وبالجملة فهو أصل شريف أشرف من جميع أبواب البر والعبادة، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.